"هيَّا بِنَا، إِلى بَيْتَ لَحْم، لِنَرَى هـذَا الأَمْرَ الَّذي حَدَث، وقَد أَعْلَمَنا بِهِ الرَّبّ"(لو 2: 15): هذا ما قاله الرّعاة بعضهم لبعض بعدما نقل إليهم الملائكة البُشرى السّارّة.

لَم يتلكّأ الرّعاة في الطّاعة لكلام جُند السّماء، فأسرعوا إلى حيث يوسف ومريم والطّفل، وهناك فساروا، كإبراهيم الذي أطاع الله الذي دعاه إلى أن يترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه، إلى الأرض التي يُريهِ إيّاها ويتبعه، فذهب كما قال له الرّبّ(تك12: 1و3)، "وآمَنَ إِبْرَاهيمُ رَاجِيًا عَلى غَيرِ رَجَاء"(روم4: 18)، أي بغياب أي برهان وأيّة علامة أو ضمانة، تُمكّنه من التأكّد من أنّه لن يُخذل.

السّرعة هي علامة قبول من دون رجاء، أي من دون أيّة ضمانات. أسرع الرّعاة إلى المغارة بِناءً على كلمة الملاك: "تجِدون طِفلاً مُقمّطاً موضوعاً في مزود"(لو2: 12). وأسرعت مريم بعد البشارة إلى نسيبتها إليصابات بِناءً على كلمة الملاك: "وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بابْنٍ في شَيْخُوخَتِها"(لو1: 36). وصل الرّعاة إلى المغارة فإذا بِهم أمام الله مُضجعاً في مزود(لو2: 16). ووصلت مريم إلى بيت زكريا وإليصابات، فامتلأت إليصابات والجنين يوحنّا من الرّوح القدس(لو1: 41). بعد هذين اللقاءين تحوّل الرّعاة إلى شهودٍ للخلاص الذي أُعطيّ لهم(لو2: 20). وأنشدت مريم نشيد التعظيم لله اختارها أمّاً لابنه وصنع بِها العجائب(لو1: 46) .

"إن اللقاء بين الله وأبنائه، بواسطة يسوع، هو الذي يعطي ​الحياة​ لمسيحيّتنا، ويصنع جمالها الفريد، الذي يتألق بطريقة خاصة في مغارة ​الميلاد​"(البابا فرنسيس، علامة رائعة، فقرة 5).

الله هو إله المفاجآت، وهو يُفاجئنا على الدّوام: نتوقّع ميلاده في قصر ملكي، فإذا به يولَد في مغارة. نتوقّع مجيئه إلى ​العالم​ في مجد عظيم، فإذا به يأتي طفلاً صغيراً. نتوقّع شيئاً، فيُعطينا أشياء. نتوقّع القليل الذي بِظنّنا هو الكثير، فيُفاجئنا بالكثير الذي يفوق توقّعاتنا الصّغيرة. هذا هو إلهنا، إنّه إلله الذي يُفاجئنا على الدّوام فيهزّنا من الدّاخل ويُغيّرنا، "والاحتفال بالميلاد هو أن نستقبل على الأرض مفاجآت السّماء"(البابا فرنسيس، 5-12-2019)، فنعيش لا لشهوات الأرض التي تأسرنا، بل لأجل الله ومع الله؛ لأنَّه انطلاقًا من الميلاد يصبح الله، الله-معنا، ويُصبح الإنسان، الإنسان لله.

لِنُصلّي اليوم من أجل أن نسمح لمفاجآت الله بأن تُدهشنا وتصنع فينا ​الولادة​ ​الجديدة​، آمين.