درجت العادة وفق القول الشعبي اللبناني "قبّة باط"(ومعناها غض النظر او تسهيل امر ما)، ان يترافق ذلك الامر مع حدث مهم يسرق انظار الموجودين ويحظى بانتباه استثنائي من قبلهم. هذا الامر ينطبق تماماً على حدث زيارة وكيل وزير ​الخارجية الاميركية​ ​ديفيد هيل​ الذي زار بيروت الاسبوع الفائت، وقام بجولة على المسؤولين اللبنانيين. رأى البعض في زيارة المسؤول الاميركي رسالة قويّة الى اللبنانيين بوجوب التنبّه مما ينتظرهم، وفسّرها البعض على أنّها الرسالة الاخيرة قبل تلقّي التصعيد الاخطر على الصعيدين المالي والاقتصادي.ولكن، في مقابل هذه النظرة القويّة، افادت مصادر مطلعة على زيارة هيل، ان اجواء من التقاهم اوحت عكس ذلك، وخصوصاً اولئك الذين يؤيّدون وجهة نظر سياسية مغايرة لتلك الاميركية. ووفق المصادر نفسها، فإن اللقاءات مع القوى المعارضة ل​حزب الله​ لم تكن تحمل تحريضاً او حثاً على التصعيد ضد الحزب وحلفائه، بل اتت في سياق طبيعي لمجريات الامور مع ضرورة الحفاظ على الامن والاستقرار وعدم السماح بالتفلت والفوضى التامة.

اما اللقاءات مع مؤيّدي وحلفاء الحزب، فأوضحت المصادر انها شكّلت سابقة في اللقاءات مع المسؤولين الاميركيين خلال السنوات الماضية، اذ جزم هؤلاء ان اجواء هذه الزيارات خلت من اي ذكر لحزب الله ان مباشرة او بشكل غير مباشر، وهو امر توقفت عنده المصادر بشكل كبير كونه من الغريب ان يحصل مع مسؤول اميركي على هذا المستوى اكد انه مبعوث من قبل وزير الخارجية الاميركية مايك بومببيو المعروف بمناهضته الشرسة لحزب الله وعدم اعتماده اي دبلوماسية في هذه المسألة، بدليل ما قاله خلال زيارته الى بيروت.

وتشير المصادر انه وفق هذه المعطيات، فإن المؤشرات تدل على "قبّة باط" اميركية على تسمية ​حسان دياب​ كرئيس مكلف ​تشكيل الحكومة​، مستشهدة بالكلام الرسمي الذي صدر عن هيل بعد لقائه المسؤولين لجهة الاشارة الى عدم التدخل بالتسمية مع تقصد اضافة عبارة تشكيل الحكومة ايضاً. هذا الامر معطوفاً على عدم ذكر الحزب في اللقاءات، يدلّ على عدم ممانعة اميركيّة في خروج ​سعد الحريري​ مرحلياً من المشهد الرسمي، وعدم اعتبار دياب او حكومته التي سيشكلها بمثابة "حكومة حزب الله"، فيما سجّل في المقابل خطوة لافتة من رئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​ الذي ايّد خلال ​الاستشارات النيابية​ الملزمة، وبشكل علني، عدم وجود سياسيين في الحكومة، وهو امر يتناقض كلياً مع كل ما سبق الاستشارات من "شدّ حبال" حول كونها سياسية او تكنوقراط او مزيجاً بين الاثنين. "هذا التناغم" غير المعلن أوحى وكأن الامور باتت اكثر سهولة بالنسبة الى دياب الذي يعيّره البعض انه اتى بأصوات غير السنّة، وان الاعلام الغربي سرعان ما اسبغ عليه صفة "المدعوم من حزب الله"، حتى قبل تلاوته كلمته بعد تكليفه رسمياً.

ازاء هذا الوضع وما حملته زيارة ديفيد هيل الى لبنان، على دياب ان يحسن الاستفادة من هذه الحالة، ولكن عليه ان يقاوم تصعيد الشارع الذي تخطّى المنطق والمظاهر السلميّة وبات غير محرج تماماً في اظهار وجه الطائفيّة والمحسوبيّة وحتى الاعتداءعلى الجيش والقوى الامنيّة. ويرى الكثيرون ان الامتحان الجدي لرئيس الحكومة المكلّف ليس القدرة على تشكيل حكومة ترضي الجميع، بقدر ما هي عزيمته على الصمود في وجه التصعيد في الشارع، ووفق ما هو ظاهر فإنّه صامد ولن يتراجع، خصوصاً وانه يعتبر انه غير ملزم لاثبات نفسه امام احد، وغير معنيّ في الحفاظ على صورة سياسيّة معيّنة لم يكن يملكها ويخاف عليها من السقوط، على عكس الحريري الذي دخل السياسة في لبنان من بابها العريض منذ العام 2005.