اعتبر راعي أبرشية ​بعلبك​ ​دير الأحمر​ المارونية ​المطران حنا رحمة​ في رسالة ​عيد الميلاد​ المجيد أن "​السلطة​ من منظار الميلاد، هي سلطة ​المحبة​ التي لا تسأل عن ضمانات ومآرب شخصية ضيقة، إنها سلطة الخدمة التي تبحث عن الخير العام ومصلحة الكل، إنها سلطة التجرد التي لا تبحث سوى عن الخير المطلق، إنها سلطة المزود".

وقال: "منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام الجاري ومئات الألوف من ال​لبنان​يين يصرخون مطالبين بحقوقهم من أصحاب السلطة، وليس من يجيب، فهل صمت آذان المسؤولين؟ أم أن الاعتراف بالخطأ لم يعد فضيلة؟ ومتى يسترجع الوطن سلطته من أيادي السلاطين الذين تربعوا على الكراسي وعبدوها فاستعبدتهم، فصار صاحب السلطة عبدا لها، وضاعت السلطة ومعها غابت القيم واندثرت المبادىء وغمرت الحقيقة بالرماد".

وأضاف: "وطننا يتمخض، وفجر ولادة لبنان الجديد لا بد أن يطلع. وها الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير يتزامن مع هذه الأوضاع الصعبة التي ترمي ظلالها على كافة الجوانب الوطنية والسياسية والأمنية والاقتصادية، وها صيحات الجوع و​الفقر​ والعوز تلوح في الأفق والمسؤولون يستأثرون بالسلطة وكأن الله قد مات، فهل مات الله فيهم؟ هل قتلوه ليسكت ضميرهم عن التأنيب؟ أم أن إلههم صار في بطونهم وعروشهم وتيجانهم وكراسيهم؟ لقد ندر القديسون في صفوف المسؤولين وقلت أسماء الأنبياء على قائمة أصحاب السلطة، وصار الأبرار موضة قديمة لا تتلاءم مع متطلبات هذا العصر الذي يريده البعض فاسدا لا محالة".

ورأى رحمة أن "بعض المسؤولين قد غرقوا في أوهام المجد الباطل، ووقعوا في شراك ​المال​ والسلطة والجشع، فانحرفوا عن الحق والصلاح وعميت بصائرهم، وغابت حقوق المواطن وحلجاته عن برنامجهم وخططهم، واسترسلوا في الحرام حتى صار الوطن والمواطنون هيكلا عظميا يتناهشه الفاسدون".

وتابع: "أمام هذا الواقع المرير، وأمام عجز المتسلطين وفسادهم، تغيب الثقة بالفاسدين وتتوجه الأنظار إلى المظلومين، إلى المواطنين الأبرياء الذين يموتون كل يوم وما من سميع أو معين، إليهم وحدهم تتوجه الأنظار ولهم تعطى الثقة بإيقاظ الضمائر وباسترجاع الصوت النبوي الذي تأصل وتجوهر بنار الألم والقهر". وأكد أن "الاستسلام ممنوع، إذ أن النهضة لا تقوم إلا إذا اشتدت السواعد وتكاتفت، وقام كل منا بواجباته تجاه ​الدولة​ ومؤسساتها، وتمسكنا جميعا بنداء تحرير الوطن من الطغيان المستبد و​محاربة الفساد​ واسترجاع الثروات المقتنصة".

واعتبر "أنها مرحلة دقيقة تستوجب الوعي والحكمة والصبر، فإذا آمنا أن لا بد للفجر أن يطلع، سهل علينا السهر على الرغم من الصعوبات. فلنؤمن إذا أن الرب ولد مثلنا في مذود الألم والمعاناة والظلم والرفض والقساوة، إلا أنه انتصر. والمحنة التي نعيشها اليوم ليست أبشع من محن خاضها أسلافنا وصمدوا، فكانوا كلما ازداد الضيق قساوة عليهم، ازدادوا في الرب اعتصاما وفي تعاليمه تمسكا وبالأبانا و​السلام​ والمجدلة تكبشا. فلنخترن طريق ​المقاومة​ الإنجيلية، ولا نتعبن من المحبة والانفتاح، وتبني لغة الحوار والسلام مع من يختلف عنا كما مع من يشبهنا، فلنعد الاعتبار لأرضنا، فلنحرثها ولنقلبها ولنزرعها ولنحصدها، فتدر علينا خيرات وقيم".

ودعا إلى أن "نستفيد من محننا والتجارب والمضايق، بعيدا عن روح الحقد والتفرقة والكراهية، لننمو في الإيمان والمحبة، فيكبر فينا الوطن ويسترجع جماله والبهاء".

وختم المطران رحمة، موجها الدعوة إلى "التضامن والتعاضد والمحبة وإشراك الآخر بالفلس واللقمة، والدعوة إلى استثمار سلطة المحبة".