منذ إغتيال ​الولايات المتحدة​ الأميركية قائد ​فيلق القدس​ في ​الحرس الثوري الإيراني​ ​قاسم سليماني​، تطرح الكثير من السيناريوهات حول مصير ​الحكومة​ التي يشكلها رئيسها المكلّف حسّان دياب، لا سيما في ظل إستمرار العراقيل الداخليّة التي حالت دون ولادتها، وبالتالي باتت المخاوف من دخول التطورات الإقليميّة على الخطّ أكثر من منطقيّة.

ضمن هذا السياق، من الضروري رسم المشهد الحكومي الحالي للبناء عليه، في ظل تأكيد مختلف القوى المعنيّة في الأكثرية النيابية أن التطورات الإقليمية لم تؤثر، على الأقل حتى الآن، على الملفّ الحكومي.

في الوقت الراهن، بات من المؤكد أن أغلب المجموعات الفاعلة في ​الحراك الشعبي​، الحزبيّة وغير الحزبيّة، لن تمنح دياب أيّ فرصة مهما كان نوع حكومته المقبلة، بدليل المواقف التي تعبر عنها الشخصيات التي تعتبر مؤثّرة على مستوى الشارع، في حين أن قوى الرابع عشر من آذار، رغم خلافاتها الجانبيّة، لن تخرج عن تصنيفها بحكومة اللون الواحد، إنطلاقاً من المواقف المعلنة لكل من "​تيار المستقبل​" وحزب "القوات اللبنانية" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​"، الأمر الذي يتأثر أو يؤثر في موقف القوى الدولية والإقليميّة المعنيّة، خصوصاً الولايات المتحدة والسعوديّة، التي ربما لن تكون قادرة على الخروج عن المعطيات المحلية المذكورة في الأعلى، أو يكون لها مصلحة في الإستفادة منها في سياق المواجهة المفتوحة على مستوى المنطقة.

إنطلاقاً ممّا تقدّم، ستكون القوى التي تشكّل الأكثرية النيابية، "​التيار الوطني الحر​" و​قوى 8 آذار​، متّهمة بتشكيل حكومة اللون الواحد أياً كان شكلها أو نوعيّة الوزراء فيها الذين لا يخرجون عن دائرة الإختصاص أو التكنوقراط، لكنّها لم تنجح في بلورة الإطار النهائي لصيغتها في ظلّ سعي دياب إلى تحقيق إنجاز على مستوى الحقائب التي ستكون من حصّته، يقدّمه كـ"إنتصار" في الشارع السنّي الممتعض من طريقة تكليفه، بعد أن أزاح رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​ نفسه عن المشهد.

على هذا الصعيد، رئيس الحكومة المكلف يعتبر أن هذا "الإنتصار" لا يمكن أن يكون إلا بالحصول على حقيبة سياديّة ثانية، بالإضافة إلى الداخليّة والبلديّات، وهي لا يمكن أن تكون الماليّة بسبب موقف رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ المعروف مسبقاً، وبالتالي وضع عينه الخارجية والمغتربين التي هي من حصة "التيار الوطني الحر"، ويرى أنّ إختيار شخصيّة مقرّبة منه تصنّف ضمن دائرة المستقلّين من الممكن أن يريحه على المستوى الخارجي، لكن هذا التوجه لا يصطدم بموقف "الوطني الحر" فقط، بل أيضاً بموقف "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، بسبب الأهميّة التي تشكّلها هذه الوزارة في المرحلة الإقليميّة والدوليّة الحرجة.

بناء على ذلك، يمكن القول أنّ "اللعبة" الحكوميّة لا تزال في سياق الصراعات الداخليّة، التي من الممكن معالجته بسهولة من خلال التوصل إلى تسوية مقبولة من قبل الأفرقاء المعنيين، أي "الوطني الحر" و"حزب الله" و"حركة أمل" ورئيس الحكومة المكلف، وهي الظروف نفسها التي كانت سائدة في الأيام الماضية، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يتكهن بإحتمال دخول المعطيات الخارجيّة المعرقلة على الخطّ في الأيّام المقبلة، وبالتالي عرقلة مهمّة دياب التي من المفترص أن تنجز خلال وقت قصير، في حال كان راغباً مع القوى التي سمّته في أن تبصر حكومته النور من دون أي مجازفة.

في المحصّلة، هذه المجازفة قد تضع البلاد أمام سيناريوهات مختلفة، أغلبها يدور حول إستمرار حالة الفراغ الراهنة بإنتظار تبيان الخيط من الأبيض على مستوى المنطقة، إلا إذا قرّرت قوى الأكثرية، بحال إعتذار رئيس الحكومة المكلّف، الذهاب إلى حكومة سيّاسية من لون واحد تبدو، حتى الآن، من خارج دائرة الحسابات التي لديها، بسبب التداعيات التي قد تترتب على ذلك.