لا يبدو أن رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​ في طور الدخول في "مهادنة" مع ​الحكومة​ المقبلة برئاسة ​حسان دياب​، هو سبق رحلته إلى العاصمة الفرنسية ​باريس​ بالإعلان عن أنها حكومة رئيس "​التيار الوطني الحر​" ​جبران باسيل​، بعد أن كان بدأ بتحريك بعض المجموعات ضدّها، من خلال عمليات ​قطع الطرق​ التي شهدتها بعض المناطق ال​لبنان​يّة.

في ظلّ هذه المرحلة، كان رئيس الحكومة المكلّف، رغم الخلافات مع بعض أركان الأكثرية النيابية، يقطع شوطاً كبيراً في مهمته، بعد أن كان الحريري ظن أنه سيفشل في ذلك، لا سيما بعد إغتيال ​الولايات المتحدة​ قائد ​فيلق القدس​ في ​الحرس الثوري الإيراني​ ​قاسم سليماني​ في ​العراق​، التي ترافقت مع مطالبة بعض الأفرقاء بالعودة إلى صيغة التكنو-سياسية أو لم الشمل.

على هامش المفاوضات الحكوميّة، نجح دياب في كسب بعض النقاط في مواجهة الحملة التي تُخاض ضده على الساحة السنية، فهو أكّد أنه ليس من السهل التعامل معه، لا بل هو أبدى إستعداداً للذهاب بعيداً في "ممانعته" الشروط التي حاول بعض الأفرقاء فرضها عليه، وبالتالي نجح في قلب الأوراق التي تلعب ضده، لناحية التأكيد بتمسكه بصلاحيات رئيس الحكومة المكلّف، بشهادة النائب ​نهاد المشنوق​ نفسه.

بالتزامن، كان دياب يفرض على قوى الأكثريّة النّيابية معادلته في تسمية الوزراء، عبر رفضه عودة أيّ وزير من حكومة تصريف الأعمال أو تسمية شخصيات سياسية، ما دفعها إلى الإلتزام بمعادلة الإختصاصيين المستقلين التي يريدها، بالإضافة إلى الحفاظ على صيغة 18 وزيراً مقابل طرح رفع العدد إلى 24 لتطعيم الحكومة بوجوه سياسية.

بالنسبة الى الحريري، فهو منذ اليوم الأول لاستقالته كان يظن نفسه "السنّي" الوحيد المخوّل ​تشكيل الحكومة​، وربما أقنعه بذلك بداية الفريق الشيعي، ولاحقاً موقف دارالفتوى، لذلك تدلّل وتكبّر وحرق المرشحين وأصر على شروطه، حتى تاريخ تخلّي حزب "القوات اللبنانية" عنه في ​الاستشارات النيابية​، وركونه إلى ​القاعدة​ الجديدة التي تنصّ على انتهاء حقبة "الحريري أو لا أحد" بالنسبة لحلفائه في الخارج والداخل.

بعد ذلك أصبحت عينه على دياب، لأنّ أيّ إنجاز يُسجل لرئيس الحكومة المكلف سيكون فشلاًله، والسؤال الذي ينخر عقل رئيس حكومة تصريف الأعمال اليوم هو: "ماذا لو نجح دياب في تنفيذ خطّة للكهرباء، أو في تخفيض ​العجز​ بالموازنات، أو ماذا لو تمكن من وضع اللبنة الأولى لنقل ​اقتصاد​ لبنان من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج"؟.

أمام هذا الواقع، اضطر الحريري إلى إعلان المعركة، مباشرة بعد عودته من باريس، حيث رفض طلب إعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال للحد من تداعيات ​الأزمة​ الراهنة، عندما كانت المعطيات تشير إلى صعوبات تواجه عمليّة ​تأليف الحكومة​، مقابل رميه المشكلة على الفريق الذي سمّى دياب، بالتزامن مع الذهاب إلى رفع مجموعة من الخطوط الحمراء، التي تمثل ما يمكن القول أنها رسائل إلى الداخل والخارج، لا سيّما بالنسبة إلى المسّ بحاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ ومدير عام ​قوى الأمن الداخلي​ ​اللواء عماد عثمان​.

عاد الحريري من باريس للتلطّي خلف "حقوق الطائفة"، تلك الحقوق التي لطالما اتُهم بأنه لا يأبه بها، وبالتالي فإنّ الرجل الذي كان منذ شهرين "حاجة وطنية"، بات اليوم متقوقعاً في زوايا المذهبيّة، فهل ينجح باستعادة زمام المبادرة إنطلاقاً من الشارع السني؟.