اشارت القمّة الروحيّة ​المسيحية​ الى ان الآباء تابعو مجريات تشكيلِ حكومةٍ ​لبنان​يَّةٍ جديدةٍ، وما رافقها من تجاذباتٍ ومساومات، امتدَّت أكثر من شهرين بشأن نوع ​الحكومة​ وعدد الوزراء وكيفيَّة تسميتهم، فيما الشَّارع يغلي، و​الوضع المالي​ و​الاقتصاد​ي والمعيشيّ آخذ بالتَّدهور. وهم إذ يُسجِّلون بعد ولادة هذه الحكومة، ارتياحهم إلى وجوهٍ وزاريَّةٍ من أصحاب الاختصاص والخبرة، فإنَّهم ينتظرون من أداء الحكومة القدرة على كسب ثقة الشَّعب اللُّبنانيّ، لا سيَّما شبَّانه وشابَّاته، في انتفاضتهم السِّلميَّة، وثقة المجتمع الدَّوليِّ والجهات المانحة. ويحثُّون أهل السِّياسة أن يواكبوا بروحٍ إيجابيَّةٍ العمل الحكوميّ، حتَّى يتسنَّى للحكومة الإنصراف إلى تنفيذ الإصلاحات في البُنى والقطاعات من أجل النُّهوض الاقتصاديّ المنشود، وتطبيق مبادئ العدالة الإجتماعيَّة البعيدة كلّ البُعد عن منطق المصالح الفئويَّة و​المحاصصة​ الذي ساد البلاد منذ عقود.

ولفتت القمة بعد اجتماعها بدعوة من البطريرك بشارة بطرس الرَّاعي وحضور بطاركة الكنائس المسيحيَّة الشَّرقيَّة ورؤساؤها في الصَّرح البطريركيّ المارونيّ في ​بكركي​، إلى وجوب المُسارَعة في ​محاربة الفساد​ واستعادة ​الأموال المنهوبة​، وضبط الهدر المتواصل في المال العامّ، كشرطٍ لا بدَّ منه للدَّفع بالاقتصاد اللُّبنانيّ نحو الإنتاجيَّة الكفيلة وحدها بضبط الحركة الماليَّة وتحقيقِ دورةٍ إقتصاديَّةٍ طبيعيَّة تُنمِّي القطاعات المختلفة، بما يُحقِّق الإستقرار ويُساعِد في وضع برامج مستقبليَّةٍ وفي إنجاحها.

واكد الآباء على حقّ التَّظاهر السِّلميّ طلبًا للإصلاح، ولكنَّهم يدينون بشدَّة الغوغاء في الشَّوارع والسَّاحات، خصوصًا في العاصمة ​بيروت​، مخافة أن يميل الحراك عن أهدافه النَّبيلة. ويُحيُّون ​الجيش​ و​قوى الأمن​ الدَّاخليّ في تعاملهما مع الأحداث. ويُناشِدون العاملين على تأجيج ​العنف​، العودة إلى العمل الدِّيمقراطيِّ الصَّحيح والسَّليم. فليس المال العامّ والخاصّ مطيَّةً للغايات المُريبة، ولا إراقة الدِّماء هي السَّبيل السَّويُّ للخلاص الوطنيّ.

ودعا الآباء المواطنين ​المتظاهرين​ وبخاصَّة الشَّباب منهم الذين كان لهم التَّأثير الأساسيّ في هزّ الضَّمائر وترسيخ فكرة وجوب التَّغيير في الأداء السِّياسيّ، إلى التَّعامل بحكمةٍ مفسحين في المجال أمام الحكومة لتحمُّل مسؤوليَّاتها، بحيث يأتي التَّقييم لهذا العمل تقييمًا واقعيًّا وموضوعيًّا وحضاريًّا. فتتابع انتفاضتهم مسارها المُشرِق، وترتفع أكثر فأكثر إلى مستوى المواطنة الحقيقيَّة، وبناء دولة الحقّ و​العدل​ والمساواة، الدَّولة التي تتَّسع لآمالهم وطموحاتهم، ويتجلّى فيها الغد المُرتجى للبنان وأهله.

وحثُّ الآباء المجتمع الدَّوليِّ والدُّول العربيَّة، أن يساندوا لبنان في الإصلاح الإقتصاديّ والماليّ والإنمائيّ حتَّى يستعيد لبنان دوره المُنفتِح والمُسالِم، والعامل من أجل السَّلام ونصرة الشَّأن الإنسانيّ في محيطه، فيتجنَّب ما تُسبِّبه التَّجاذبات الخارجيَّة من معاناةٍ على أرضه. ويُناشدون ويخصُّون بمناشدتهم أبناءهم اللُّبنانيِّين المنتشرين كي يكثِّفوا جهودهم في دعم وطنهم الأمّ ومساعدته على استعادة العافية على كلّ الصُّعد.

واعرِب الآباء عن بالغ الأسى حيال ما آلت إليه الأوضاع في ​الدول العربية​، ولا سيما في ​سوريا​ و​العراق​ و​فلسطين​، مما يُفاقِم مُعاناة شعوبها، ويُسرِّع هجرتهم إلى أماكن آمنة. وهم يناشدون المسؤولين في هذه البلدان والمجتمع الدَّوليّ العمل على وضع حد للحروب والقتل والدَّمار، والسَّعي الى بناء سلامٍ عادلٍ وشاملٍ على أسس شرعة ​حقوق الانسان​ والعدالة والحرِّيَّة والمحبَّة. وحده هذا السَّلام كفيلٌ بفتح الطَّريق أمام لمّ الشمل بين أبناء كل بلد من هذه البلدان، وعودة المهجرين والنَّازحين إلى ديارهم، وتضافر جهودهم لبناء ما تهدَّم في مجتمعاتهم. وإنَّهم يذكرون دائمًا بصلواتهم المخطوفين في سوريا ولا سيَّما أخويهم المطرانين ​بولس يازجي​ ويوحنَّا ابراهيم، مطالبِين المجتمع الدَّوليّ الكشف عن مصيرهما والعمل على إعادتهما إلى أبرشيَّتيهما في أقرب وقتٍ ممكن.