وقعت الواقعة، وأعلن الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ "​صفقة القرن​" بعد تأجيل لعدة مرات، وبات الفلسطينيون بين "فكّي كماشة": "الرفض"، وهو الموقف الرسمي والسياسي والشعبي على إعتبارها تعطي "​اسرائيل​" كل الحقوق، مقابل تصفية القضيّة بدءًا من القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة وشطب ​حق العودة​، أو "الحصار" والمزيد من الحرب الاقتصادية ما يفتح الباب على مصراعيه أمام مرحلة جديدة من النضال بكافة أنواع بما فيها "الانتفاضة الشعبية" أو "المقاومة العسكريّة".

في لبنان، لم يخف المسؤولون اللبنانيون والفلسطينيون معا المخاوف الحقيقية من تداعيات هذه "الصفقة" لجهة فرض توطين اللاجئين، رغم المشهد اللبناني المعقّد والمتداخل لجهة الطائفيّة والمذهبيّة، مع تسريبات تتراوح بين "الترهيب والترغيب" حينا، أو اتباع سياسة "العصا والجزرة"، أو اغراءات ماليّة لسد عجز الدين اللبناني الذي بلغ نحو 100 مليار دولار اميركي، أو المزيد من الضغوط السياسية والمالية والاقتصادية حتى "الاستسلام"، وهو ما تواتر من اجراءات على مدى السنوات الماضية.

مخاوف لبنانية

في المفهوم اللبناني، يدرك المسؤولون ان إعلان عناوين هذه الصفقة في هذه الظروف بالذات تصب في مصلحة "اسرائيل" على أبواب الانتخابات البرلمانيّة في آذار المقبل من جهة، وفي ظل ضعف عربي وصمت دولي من جهة أخرى، فيما يهدف ترامب الى تحسين فرص فوزه لولاية رئاسية ثانية عبر حشد دعم اللوبي اليهودي له، بعدما قدم في ولايته الاولى ما لم يجرؤ اي رئيس اميركي على تقديمه، بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة اليها، مرورا بوقف المساعدات المالية لوكالة "​الاونروا​" ومحاولة إنهاء عملها كونها شاهدا حيا على بقاء قضية اللاجئين، وصولا الى اقفال مكتب "​منظمة التحرير الفلسطينية​" في واشنطن وطرد ممثله.

وقد عبّر بوضوح عن هذا الخطر، رئيس لجنة الحوار الفلسطيني اللبناني الوزير السابق حسن منيمنة، الذي أكد "إنّ لبنان يستشعر خطر هذا الإعلان بالنظر إلى ما يتضمنه من بنود لتصفية القضية الفلسطينية بما فيها قضية اللاجئين ويرى فيه مقدمة لمشروع ​التوطين​ الذي أعلن الدستور اللبناني رفضه" و"إنّ لبنان في موقفه هذا متقاطع مع القيادة السياسية والفصائل الفلسطينية الذين يصرون على حق العودة بموجب القرار الأممي رقم 194، وكذلك ما ورد في القوانين الدولية والشرعة الدولية لحقوق الانسان وسواها من وثائق أممية"، داعيا "الشعوب والدول العربية والصديقة والمحبة للسلام والأمن الدوليين والمجتمع الدولي إلى رفض ما تتضمنه "صفقة القرن" من تجاوز على الحقوق الفلسطينية المكرسة".

وحدة فلسطينية

في المفهوم الفلسطيني، فإن "الصفقة" تهدف الى شطب حق العودة الى ديارهم فلسطين، خلافا للقرار الدولي 194، لذلك ومنذ اعلانها و​المخيمات الفلسطينية​ في لبنان لم تهدأ، تظاهرات ومسيرات واعتصامات ووقفات ولقاءات رفضا لها، في اطار "الخطة الموحدة" والمتدحرجة التي بدأت من المخيمات، وامتدت الى المدن اللبنانية، على ان تبلغ مداها أمام بعض السفارات الغربية والعربية.

وأبلغت مصادر فلسطينية "النشرة"، انه على الرغم من خطورة "الصفقة الاميركية" وتداعيات على القضية برمتها وخاصة حقّ العودة، الا ان ابناء المخيمات يعيشون اجواء ايجابية بسبب الوحدة الداخلية التي ظهرت سريعا لمواجهتها، والتي ترجمت عمليا على محورين، الاول بمشاركة كافة القوى السياسية الوطنية والاسلامية في التحركات الاحتجاجية بما فيها حركات "فتح" و"حماس" و"الجهاد" و"القوى الاسلامية" و"الحراك الشبابي والشعبي" ومؤسسات المجتمع المدني، والثاني من خلال التحضير لعقد اجتماع لـ"هيئة العمل المشترك" الفلسطيني في لبنان–"القيادة السياسية الموحدة" بعد طول إنقطاع، لوضع خطة المواجهة والتصدي والتنسيق مع القوى اللبنانية ومختلف أجهزتها.

خطة المواجهة

واوضحت المصادر ذاتها، ان "خطة المواجهة" ستأخذ بعين الاعتبار، اولا: "تدحرجها نظرا لطول الفترة الزمنيّة لتطبيقها، والمقدرة سلبا او ايجابا ربطا بنتائج الانتخابات الاميركيّة في نهاية العام، وما اذا جرى اعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، وبمدى صلابة الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي بالرفض ومواجهة الضغوطات وبمواقف الدول العربية والمعنية بالموافقة او الاعتراض، وثانيا: الحفاظ على سلمية التحركات تحت سقف القانون اللبناني، دون المساس بأمنه واستقرراه ومسيرة سلمه الاهلي، الى جانب حفظ أمن واستقرار المخيمات، وتحصين الوحدة وتعزيز التعاون لقطع الطريق على أي محاولة لتوتيرها لحرف الانظار عن الاهتمام بمتابعة تفاصيلها، وثالثا: التنسيق مع القوى السياسية اللبنانية والاجهزة الامنية الرسمية ومع "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" لتوحيد الموقف للتصدي لهذه الصفقة، المشؤومة بموقف مشترك يكون أقوى للطرفين، على قاعدة ان "لبنان يرفض التوطين... والشعب الفلسطيني يصر على حق العودة".

تدحرج الاحتجاجات

والى جانب اعتبارات الخطّة، فإنها ستكون "متدحرجة" وتنطلق من كافّة المخيمات بسلسلة من التحركات الاحتجاجيّة من مسيرات واعتصامات ولقاءات تضامنية، ثم تنتقل الى المدن اللبنانية ومن بينها بعض ساحات الحراك الشعبي، وقد بدأت أولى مؤشراتها في صيدا (مسيرات سيارة، وقفة تضامنيّة في "ساحة الثورة" عند "تقاطع ايليا"، و"لقاء تضامني" لبناني فلسطيني في مركز "معروف سعد الثقافي"، دراسة تنظيم مسيرة مركزية مشتركة) وتنظيم اعتصامات احتجاجية في وسط بيروت وساحة النور في طرابلس، وامام السفارة الاميركية في عوكر، وقد تصل الى تنظيم اعتصامات مماثلة امام سفارات بعض الدول العربية وخاصة تلك التي شارك سفراؤها في اعلان الصفقة، وصولا الى الاحتجاج امام السفارات الاجنبية ومقرات "المنظمات الدولية" من ​الامم المتحدة​.

القيادة الفلسطينية

تجدر الاشارة الى ان مواجهة "صفقة القرن" لا تتعلق بأبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان فقط، اذ ان القيادة الفلسطينية وضعت "خطة استراتيجية" للتصدي لهذه "الصفقة" وتقوم على التحرك بثلاثة اتجاهات، الأول: على المستوى الدولي عبر التوجه لمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة لاهاي، "لاتخاذ القرارات الهادفة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة حسب القانون والشرعية الدولية"، والثاني: "تفعيل كل أشكال المقاومة، ووضع حدّ للاتفاقات الأمنيّة والسّياسية، وسحب الاعتراف بالاحتلال، وتجسيد الدولة على الأرض وقد أعلن الرئيس ​محمود عباس​ وقف التنسيق الامني مع الجانب الاسرائيلي وقطع العلاقات معها ومع الادارة الاميركية، والثالث: التحرك نحو الدول العربية وقد ترجم باجتماع ​جامعة الدول العربية​ على مستوى وزراء الخارجية العرب في القاهرة، ومن ثم مجلس التعاون الاسلامي والاصدقاء والاحرار في العالم لدعم الموقف الفلسطيني الرافض لهذه الصفقة.