في خطابه الأخير، أراد أمين عام "​حزب الله​" السيد حسن نصرالله تأمين أفضل الأجواء لعمل ​الحكومة الجديدة​، على الأقل على المستوى الداخلي، من خلال الدعوة إلى ترك الخلافات السياسية جانباً ومنحها فرصة منطقية ومعقولة.

هذا الواقع، يتطلب بالدرجة الأولى أن تتجاوب معظم القوى الأساسيّة في البلاد مع هذه الدعوة، الداعمة لحكومة حسّان دياب والمعارضة لها، لاسيّما تلك المتحالفة مع "حزب الله"، الأمر الّذي لا يبدو قائماً حتى الساعة، نظراً إلى أنّ كل جهة لديها مشاريعها الخاصة، حيث برزت الصراعات على عدّة جبهات في نهاية الاسبوع الماضي.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بات واضحاً بعد خطاب رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، في ذكرى الرابع عشر من آذار، أن تيار "المستقبل" في طور الدّخول في مواجهة مع "​التيار الوطني الحر​"، الذي لم يتأخّر في التأكيد أنّه مستعدّ لها، بعد الأزمة التي تفجّرت على خلفيّة قرار شركة طيران "شرق الأوسط" البيع بالدولار الأميركي فقط، حيث جاءت الدعوة إلى التحرّك أمام ​مصرف لبنان​ يوم الخميس المقبل.

هذا التحرّك، من وجهة نظر المصادر نفسها، لا يمكن أن يفسر إلا في إطار المواجهة بين التّيارين، حيث يرى "الوطني الحر" أنّ الوقت حان لخوض معركة حاكم مصرف لبنان، بعد أن كان تنازل عنها في السابق نتيجة التسوية الرئاسيّة مع "المستقبل"، وهو ما أدّى إلى تمديد ولاية الحاكم الحالي ​رياض سلامة​، في حين أن "المستقبل" كان واضحاً، بعد انهيار التسوية، أنّه لن يقبل المسّ بالشخّصيات المحسوبة عليه، على قاعدة: "نحن مشّ حبة وحبتين".

وتوضح هذه المصادر أنّ هذا الواقع يعيد إلى الأذهان التهدئة التي يتعامل بها رئيس الحكومة السابق مع الحكومة الجديدة، الّذي لم يتناولها بأيّ كلمة في خطابه الأخير، نظراً إلى أنّ المعلومات تتحدّث عن ضمانات بعدم دخولها في أيّ مواجهة مع "المستقبل"، الأمر الذي ترجم في خطاب أمين عام "حزب الله"، الذي دعا إلى تجنّب السّجال حتى حول من يتحمّل المسؤوليّة عن الأزمة الإقتصاديّة والماليّة القائمة، والأمر نفسه ينطبق على رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يرفض الدخول في أيّ جبهة معارضة تكون إعادة إستنساخ لتجربة قوى الرابع عشر من آذار.

وفي حين ترى المصادر السّياسية المطّلعة أنّه كان من الأفضل أن يذهب "التيار الوطني الحر" إلى ​مجلس الوزراء​، لمعالجة النقاط التي يريد أن يثيرها في الشارع، تعتبر مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، أن الواقع الحالي قد يقود إلى خلافات بين قوى الأكثريّة النّيابية، والتي كانت قد انطلقت سابقاً خلال مفاوضات التأليف ولاحقاً في مرحلة صياغة البيان الوزاري الّذي نالت على أساسه حكومة دياب ثقة المجلس النيابي، لا سيما حول ملفّ الكهرباء، بعد أن أعادت الوزيرة السابقة ندى البستاني السجالات مع "​حركة أمل​" إلى الواجهة من جديد.

من وجهة نظر هذه المصادر، أغلب قوى الثامن من آذار لن توافق "التيار الوطني الحر" على هذه المواجهة، لأنّها تدرك أنّ الحكومة لن تكون قادرة على العمل في مثل هذه الأجواء، وبالتالي لا فائدة لها في الوقت الراهن، في حين أن التّيار لن يكون قادراً على الصمت في ظلّ المعركة التي يريد "المستقبل"، بالتضامن مع "الإشتراكي"، فتحها بوجهه، وبالتالي هو لن يتوقف عن المبادرة إلى التحرّك، كما هو الحال بالنسبة إلى التظاهر أمام مصرف لبنان.

في المحصّلة، تعتبر المصادر نفسها أنّ هذا الواقع يعيد إلى الواجهة البحث في أصل المشكلة القائمة بين صفوف قوى الأكثريّة النّيابية، حيث هناك بداخلها من يرتبط بتحالفات أمتن مع القوى المعارضة، بينما في المقابل يغيب البرنامج الذي من المفترض أن تتوافق عليه لمعالجة مختلف الأزمات التي تصطدم بها.