لا يمكن لاحد ان ينكر، مؤيداً كان ام معارضاً، ان عهد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ سيترك بصمة في تاريخ ​لبنان​ عبر اجراء اول عملية حفر للتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية اللبنانية، ولكن في المقابل، هناك باب آخر سيذكره التاريخ ايضاً لعهد ​الرئيس عون​ وهو تنظيم زراعة القنّب للاستخدام الطبي. حدثان لم يعطيا اي فرصة لمشروع كبير ومهم حظي بغطاء دولي ان يأخذ حقه، وهو "اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار". انما، في مطلق الاحوال، يبقى معرفة المسار التاريخي الذي ستسلكه الامور، فهل سيذكر التاريخ ان هذين الحدثين ادخلا لبنان الى مرحلة الانفراج، ام ساهما في اغراقه في المزيد من الظلمة على مرّ السنوات؟ من الصعب حقاً الاجابة على هذا السؤال، اذ انه رغم التطمينات التي اطلقها عون في كلمته الى اللبنانيين حول الاصرار على ان مردود النفط سيكون حصراً للبنانيين دون مواربة، ودون سيطرة احد عليه، فإن التجارب لم تكن مشجعة، وحتى مع الحراك الشعبي الذي انفجر منذ قرابة الستة اشهر، بقي التغيير المنشود والاصلاح المطلوب خجولين، بسبب قوة وجبروت الاحزاب والتيارات السياسية التي ما ان تنكفىء لفترة قصيرة حتى تعود لفترات طويلة. فالسؤال الذي يطرح نفسه امام ما قد يؤمّنه قطاع النفط ومسألة تنظيم زراعة القنّب لاغراض طبية هو: هل تم اضافة باب جديد للسرقة والهدر؟ ام انه سيكون نوع من الوعي والجدية في ادارة هذين القطاعين الجديدين بعيداً عن السياسة والحسابات الضيقة للمسؤولين؟.

يحاول اللبنانيون حمل سلاح اقتصادي جديد لمحاربة الازمة التي غزت ارضهم وبيوتهم وحياتهم الشخصية، ولكن المقاومة في هذا المجال تبدو بالنسبة اليهم اصعب بكثير من المقاومة العسكرية لاي غزو قد ينفذه اي بلد، اكان قريباً من الناحية الجغرافية ام بعيداً. فسلاح النفط لم يحسن استغلاله العرب، فحوله الخارج الى سجن ذهبي يتمتعون من في داخله بتأمين حياتهم اليومية دون عناء كبير، انما ضمن سقف حرية محدود جداً لا يمكنهم تجاوزه والا تعرضوا لعقوبة كبيرة تذكّرهم بضعف قواهم.

اما سلاح القنّب وزراعته لاغراض طبّية، فيمكن للدول الغربية استخدامه كسلاح في يدها لتشويه صورة لبنان واتهامه ولو باطلاً، بأنه تحول الى بلد مصدّر للمخدرات و​الحشيشة​، وعندها تُبرّر كل العقوبات والضغوط التي تستهدفه لغايات ومصالح سياسية، خصوصاً مع وجود "مادة دسمة" ك​حزب الله​ في الحسابات. لذلك، يبدو ان لبنان اليوم امام امتحان جديد، عماده القدرة على تجاوز التحدّي الذي دخل الى ساحته والمتمثل بمسألتي النفط والقنب، وان يستطيع السير بدقة بين الالغام لاجتياز مرحلة الخطر التي قد تطول او تقصر وفق قدرات اللبنانيين. وعليه، لم يعد الحديث عن ضرورة الوحدة والتضامن مجرد كلام، بل هو بات بالفعل اساساً مهماً للبدء بمرحلة جديدة، وكي لا نبقى قابعين في الاسى والمعاناة، والتعرض لاتهامات من كل الجهات بأننا استسلمنا للقنوط واليأس، واصبح مصيرنا بيد غيرنا. صحيح ان التاريخ سيذكر ان بداية مرحلة النفط وما يمكن ان يجمعه مردود زراعة القنب لاغراض طبية، كانا على عهد الرئيس عون، الا انه سيذكر حتماً ان نجاح الخطوتين او فشلهما (لا سمح الله) كان على يد اللبنانيين انفسهم، فتتم الاشادة بنا اذا كنا على قدر الاستحقاق والمسؤولية، او علينا تحمّل الانتقادات لتفويتنا فرصة تاريخية وفي ظل ظروف مؤاتية داخلياً لفرض نقطة تحوّل كبيرة في الحياة اللبنانية على الصعد السياسية والاقتصادية والمالية.