كما كان مُتوقّعًا، قرّر ​لبنان​ الرسمي عدم دفع سندات "يورو بوند"، وحرص على إعلان قراره عشيّة موعد هذا الإستحقاق، علمًا أنّ "​الثنائي الشيعي​" كان أعلن مُعارضته لإحتمال الدفع منذ فترة طويلة، قبل أن تُجاريه بقيّة القوى في السُلطة التنفيذيّة في لبنان اليوم. وعلى الرغم من أهميّة هذا القرار الذي سيكون له تداعيات حتميّة على لبنان، فإنّ أنظار اللبنانيّين مَشدودة إلى ما يُحكى عن "خُطّة إصلاحيّة" طال إنتظارها، والخشية كبيرة من "إجراءات قاسية" كثرت الإشاعات بشأنها. فما هي الإرتدادات المُتوقّعة لقرار عدم الدفع، وما هي القرارات المُرتقبة من جانب الحُكومة؟.

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ قرار عدم سداد إستحقاق التاسع من آذار، وقيمته أكثر من 1,2 مليار ​دولار​، هو الأوّل من نوعه في ​تاريخ لبنان​، لكنّه لن يكون يتيمًا، بل ستليه قرارات مُشابهة بخُصوص إستحقاقي الرابع عشر من نيسان المُقبل، والتاسع عشر من حزيران المُقبل، وقيمتهما 700 و600 مليون دولار أميركي، على التوالي. يُذكر أنّه إضافة إلى إجمالي 2,500 مليون دولار أميركي من السندات المُستحقّة، يجب على لبنان دفع 1,88 مليون دولار من الفوائد. وبالتالي، من المُتوقّع أن تنطلق خلال هذا الأسبوع، أو الأسبوع التالي بأبعد تقدير، مُحادثات مع الدائنين، في مُحاولة لإعادة جدولة ما قيمته 4,382 مليون دولار أميركي للعام 2020، علمًا أنّ المُحادثات ستشمل الكثير من الإستحقاقات الأخرى، باعتبار أنّ إجمالي ​الدين العام​ اللبناني يفوق 92 مليار دولار، مع العلم أنّ قيمة سندات الدين الدَولية منه تبلغ نحو 30 مليار دولار.

ولا يُمكن من اليوم معرفة الوجهة التي ستأخذها مُفاوضات إعادة هيكلة الدين بشكل رسمي، حيث يُنتظر أن يقوم حاملو السندات اللبنانيّة، بتشكيل هيئة تُمثّلهم، ويُنتظر أيضًا أن تدخل جمعيّة ​المصارف​ على خط المُفاوضات، لأنّ مصلحتها المُباشرة تقضي بعدم تعثّر مسألة إعادة هيكلة الدين، وتحديدًا بعدم ذهاب الجهات الدائنة إلى رفع دعاوى قضائيّة على لبنان، وعلى المصارف اللبنانيّة التي أصدرت الجزء الأكبر من السندات. وقد عيّنت جمعيّة المصارف شركة "هوليهان لوكي" مُستشارًا ماليًا للمُساعدة في هذه العمليّة، في مُحاولة للتوصّل إلى تسويات تحدّ من حجم الخسائر المُرتقبة على لبنان عُمومًا، وعلى المصارف خُصوصًا. وقبل وُضوح صُورة ونتائج هذه المُفاوضات المُرتقبة، لا يُمكن الحديث عن الإرتدادات السلبيّة التي يُمكن أن تقع في لبنان نتيجة التخلّف غير المُنظّم عن الدفع، علمًا أنّ المحاكم الدَولية ليست بالنزهة، لكن في الوقت عينه الكثير ممّا يُشاع في لبنان من حجز مُرتقب على إحتياطه من الذهب وعلى سفاراته في الخارج وعلى طائرات شركة طيران الشرقالأوسط، إلخ. ليس دقيقًا وفيه الكثير من المُبالغة.

وعلى خطّ مُواز للإعادة المُنتظرة لهيكلة الدين العام، يعيش لبنان مرحلة لا تقلّ دقّة وخُطورة، بالنسبة إلى ما يُمكن أن يُتخذ من إجراءات من جانب السُلطة التنفيذيّة. وهنا أيضًا، تكثر الأقاويل والإشاعات، تارة بشأن زيادة ​الضريبة​ على القيمة المُضافة حتى نسبة 15 %، وطورًا بشأن زيادة الرسم على صفيحة ​البنزين​ بمقدار 5000 ليرة لبنانيّة، وُصولاً حتى إلى ما يُشاع عن خفض لرواتب القطاع الرسمي ككل، إلخ. في المُقابل، تُوجد معلومات مُتعدّدة المصادر لم تتأكّد بعد، عن خطط جدّية تقضي بإلغاء صندوقي المُهجّرين والجنوب، وبزيادة إستيراد الدولة للمُشتقّات ​النفط​يّة بنفسها، من دون المُرور بشركات إستيراد النفط، وكذلك بإقرار خطّة للكهرباء تقضي بالتخلّي التدريجي عن إستئجار بواخر توليد الطاقة، بالتزامن مع إعادة تأهيل المعامل الحاليّة وتحويلها من الفيول إلى الغاز. إلى ذلك، تجري إتصالات كثيفة بعيدة عن الأضواء، للخروج بخطّة تنصّ على إعادة هيكلة المصارف اللبنانيّة عبر عمليّات دمج واسعة، بهدف إعادة تكوين رأس مال هذه المصارف، بالتزامن مع مُحاولة شطب نسب من الديون الداخليّة، ومع إعادة تحريك قروض ومُساعدات الجهات الدَوليّة التي كانت قد شاركت في "​مؤتمر سيدر​"، إلخ.

في الختام، الأكيد أنّ لبنان يقف اليوم على مُفترق طرق حاسم: فإمّا التفاهم مع حاملي السندات لإعادة جدولة الدين العام، وإمّا الدُخول في نزاع قضائي معهم، وهنا ستكون النتائج وخيمة على إقتصاد لبنان وعلى وضع مصارفه! ومن جهة ثانية: إمّا الخروج بخطّة إصلاحيّة-يتلقّفها اللبنانيّون بالترحاب، لمُحاولة إصلاح ما يُمكن إصلاحه بعد عُقود من الهدروالسرقات و​الفساد​، وإمّا إعلان "إجراءات قاسية" لن يتقبّلها اللبنانيّون بإيجابيّة، لأنّهم سئموا من الوُعود البرّاقة ومن الإصلاحات التي لا تبدأ سوى من جيوبهم، وعندها قد يُشكّل أي قرار غير مَدروس، الشرارة التي من شأنها أن تُفجّر "​الثورة​ الشعبية" من جديد، على أن تكون هذه المرّة شاملة أكثر، بحيث ستُشارك فيها جماعات وقفت على الحياد في الأشهر الماضية، بحجّة أنّ التحرّكات الشعبيّة مُستغلّة من قبل أحزاب مُعيّنة، بينما هذه المرّة ستكون ثورة جياع فعليّة!.