ـ معركة الانتقال من النظام الاقتصاديّ الريعيّ إلى النظام الاقتصادي المنتج لن تكون سهلة لأنّ المستفيدين من النظام الريعي سوف يرمون بكلّ قوّتهم لعرقلة مهمة الحكومة والحؤول دون نجاحها

} ​حسن حردان

يمكن تلخيص خطاب رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور حسان دياب، الذي أعلن فيه تعليق سداد الدين وفوائده.. بأنه دشن بدء خوض معركة تحرير لبنان من الارتهان للاستدانة، وتغيير النهج الاقتصادي الريعي، الذي كان السبب في إغراق البلاد بالديون وفوائدها، التي أثقلت كاهل الدولة وموازنتها، وأفقرت عامة اللبنانيين.. حتى بلغ لبنان مرحلة العجز عن سداد الدين والفوائد، وما بقي لديه من احتياط ضئيل من العملات الصعبة، إنما لتأمين احتياجات الشعب اللبناني من الغذاء والدواء والمحروقات والمستلزمات الطبية التي تحتاج إليها المستشفيات…

كما أنها معركة اللبنانيين لوضع قانون ضريبي عادل ومحاربة الفساد والفاسدين واسترداد أموال وحقوق وموارد الدولة المنهوبة، وحماية أموال صغار المودعين في المصارف…

انّ هذه المعركة ليست معركة الحكومة وحدها، ولا يجب بأيّ حال أن تكون كذلك… إنما هي أيضاً معركة الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، الذين يدفعون ثمن سياسات الحكومات السابقة التي جعلت البلاد تعتاش على الاستدانة مقابل فوائد مرتفعة غير مسبوقة، تجاوزت في بعض السنوات عتبة الـ 40 بالمئة.. مما أدّى إلى قتل الإنتاج وتحوّل رؤوس الأموال نحو الاستثمار في سندات الخزينة، التي عادت عليهم بأرباح لا يحلمون بتحقيقها من ايّ مشروع إنتاجي…

إنها معركة الانتقال من النظام الاقتصادي الريعي إلى النظام الاقتصادي المنتج، وهي معركة لن تكون سهلة، لأنّ الطبقة السياسية المستفيدة من النظام الاقتصادي الريعي والمتحالفة مع القطاع المصرفي، الذي سيواجه أيضاً إعادة هيكلة ووضع حدّ لانتفاخه، سوف يرمون بكلّ قوّتها لعرقلة مهمة الحكومة والحيلولة دون نجاحها في تحقيق الأهداف التي طرحتها لإنقاذ لبنان من أزماته التي ورثتها..

هذه الطبقة السياسية والمالية لا زالت تملك نفوذاً داخل مؤسسات الدولة وخارجها، ولديها وسائل إعلام مؤثرة، ولهذا لا تجب الاستهانة بها.. من هنا فإنّ كلّ القوى السياسية، والفاعليات الاقتصادية الإنتاجية والاجتماعية والنقابات العمالية، وغيرها من الهيئات الشعبية، ذات المصلحة بنجاح الحكومة بوضع حدّ للنهج النيوليبرالي الذي دمر الإنتاج، مطالبة بدعم الحكومة في البرلمان وخارج البرلمان، وعدم تركها وحيدة تخوض معركة إنقاذ لبنان واللبنانيين من أخطر أزمة مالية اقتصادية يتعرّضون لها.. إنّ الفرصة اليوم لا تزال متاحة لإنقاذ لبنان من الانزلاق إلى خطر الإفلاس الشامل..

وهذه الفرصة يجب التمسك فيها وعدم إضاعتها، لأنها السبيل للخروج من الأزمة وإعادة بناء الاقتصاد الحقيقي القائم على إنتاج الزراعي والصناعي والتكنولوجيا والمعرفة وتنشيط السياحة، وإصلاح المؤسسات الخدمية التي تعاني من العجز والخراب بفعل الفساد الذي استشرى في عهد السياسات الريعية التي أشاعت الفساد وتلزيم المشاريع بالتراضي..

مما شجع على نهب المــــال العام وتعطـــيل النهوض بالكهرباء وحلّ مشكلة النفايات، التي تحوّلت إلى تجارة مربحة لبعض أطراف الطبقة السياسية التي كانت مسيطرة على السلطة…

إنها باختصار معركة تحرير الإرادة الوطنية من التبعية الاقتصادية والمالية، للدول المانحة، ومؤسساتها المالية، فهل يمكن لبلد أن يكون حراً إذا كان غارقاً في الديون.. كما قال رئيس الحكومة حسان دياب؟ كما أنها معركة إخراج لبنان من نفق العيش على الاستدانة وتسوّل المساعدات، ليصبح لبنان قادراً على إنتاج احتياجاته، فيأكل مما يزرع، ويلبس مما يصنع، عندها فقط يمكن ان يكون حراً ويعيش بكرامة…

إنّ تحقيق استقلالية القرار المالي الاقتصادي، لا تقلّ أهمية عن معركة تحرير الأرض… وكما نجحت المقاومة، بدعم الشعب والجيش، في تحرير معظم الأرض من الاحتلال الصهيوني وحمت لبنان من العدوانية والأطماع الصهيونية في أرضه وثرواته.. يمكن أن تنجح الحكومة، بدعم الغالبية الشعبية، في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والمالي.. إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة والجرأة والتصميم.. وهو ما عكَسه خطاب دياب المعبّر عن قرار الحكومة مجتمعة…