منذ ​انفجار​ ​الأزمة​ الماليّة والإقتصادية التي يشهدها ​لبنان​، منذ ما يقارب 3 أشهر، برزت الدعوات إلى ضرورة الإعتماد على القطاعات الإنتاجية المحلية، لا سيما على المستويين الزراعي والصناعي، نظراً إلى امكانية أن يقود إلى خفض قيمة المواردات المرتفعة، وربما لاحقاً رفع قيمة ​الصادرات​، ما يحول دون الإستمرار في الإعتماد على العملات الصعبة.

هذا الواقع، يفتح الباب أمام نقاش كبير حول الخطوات التي يمكن القيام بها على هذا الصعيد، لكن من حيث المبدأ بدأ المواطنون، خصوصاً مع إرتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة من الخارج، التنبّه إلى أن هناك صناعات غذائية لبنانية، سمحت لها الأزمة الراهنة في حجز مكان لها في السوق المحلي.

في هذا السياق، يؤكد أمين سر نقابة أصحاب الصناعات الغذائية اللبنانية ​منير البساط​، في حديث لـ"النشرة"، أن ليس هناك من مصانع جديدة شيّدت في الأشهر الثلاثة الماضية، لكن مع بروز الأزمة بدأت ​الصناعات اللبنانية​ تأخذ مكانها في السوق المحلي، نظراً إلى تراجع الواردات، ويلفت إلى أن هذه الصناعات لم تكن تملك في السابق فرص منافسة بالمقارنة مع تلك المستوردة من الخارج، وبالتالي هي استفادت من هذه الأزمة إلى حد ما، في حين أن بعض ​المصانع​ كان لديها خطط تطويرية قبل ذلك.

حول أهميّة هذا الموضوع، ينطلق البساط من واقع أننا نستورد ما يقارب 20 مليار ​دولار​ سنوياً ويصدر ما يقارب 4 مليارات دولار، ويرى أن لبنان قادر بكل سهولة على خفض الواردات ما بين 3 إلى 4 مليارات دولار، نظراً إلى أن ليس هناك من إمكانية للإستغناء عن كل ما هو مستورد من الخارج، ك​الأدوية​ والألبسة والغذاء وأمور أخرى، لكن بشرط أساسي هو إستمرار تأمين المواد الأولية.

ويشدد البساط على أن المصانع اللبنانية قادرة على تأمين ​الأمن​ الغذائي الأساسي، ويوضح أن قيمة الواردات في هذا المجال تبلغ نحو مليار دولار سنوياً، ويؤكد القدرة على توفير نصف هذه الفاتورة، لكن الأمر يتطلب أيضاً توفير المواد الأولية من الخارج التي لا يمكن الإستغناء عنها، وبالتالي تنفيذ الوعود التي قطعت على هذا الصعيد، أما بالنسبة إلى إمكانية التصدير فإن المشكلة معقّدة أكثر من ذلك، حيث تتطلب دعم ​الدولة​ لخفض كلفة الإنتاج، التي تعتبر الأعلى على مستوى ​العالم​.

من جانبه، يؤكد الرئيس السابق ل​جمعية الصناعيين​ الوزير السابق ​فادي عبود​، في حديث لـ"النشرة"، أن هناك سلع أساسية، كالمحروقات والسيارات، لا تصنع في لبنان، لكن في المقابل نصف الواردات من الممكن الإستغناء عنها في تأمين الحماية للصناعة المحليّة، كما من الممكن الإستفادة من إنهيار ​أسعار المحروقات​ في العالم في الوقت الراهن، وبالتالي شراء حاجات لبنان للعام 2020.

ويشير عبود إلى أنّ تعزيز دور ​الصناعة​ المحليّة يفترض أن تغير ​الحكومة​ طريقة تعاملها مع هذا القطاع بشكل كلّي، ويعطي مثالاً على ذلك موضوع براءة الذمّة من ​الضمان​ الإجتماعي، حيث لم تمدّد في السابق على قاعدة أن ​الموازنة​ ستضمن إعفاء من الغرامات، لكن على الرغم من نشر الموازنة في ​الجريدة الرسمية​ لم يتم الإعفاء ولا من براءة الذمة، ومن الخميس الماضي هناك صناعات بأكثر من 50 مليون دولار لا يمكن تصديرها، مع العلم أن 80% من الصناعيين متأخرين عن الدفع للضمان.

ويشدّد عبود، الذي يصف الواقع بمحاربة الصناعة اللبنانية، على أن هناك الكثير من الأمور التي من الممكن العمل على معالجتها، أبرزها كلفة الشحن والرسوم و​الضرائب​ على الصادرات، ويؤكّد أن لا شيء يساعد لبنان على النهوض من جديد إلا دخول عملات صعبة من خلال الصادرات، ويرى أن على الحكومة دعم الصناعيين للمشاركة في معارض خارجيّة، على الأقل للإستفادة من التجربة في حال لم يتمكنوا من إبرام عقود بيع من المرة الأولى.

في المحصّلة، يرى عبود أن تنمية الصناعة لا تحتاج إلى عبقرية، من الممكن التعلم من التجربتين المصريّة والتركيّة، حيث شهدت الدولتين إنهيارا، لكنهما عملتا على دعم الصناعة المحلية، إلا أنّه يشدد على أن العقليّة المتحكّمة هي التي تمنع نمو الصناعة، وبالتالي المطلوب إعادة تقييم وتغيير كل الإجراءات، لا سيما أن لبنان قادر على مضاعفة صادراته إلى ​العراق​ و​الأردن​ و​الدول الخليجية​.