بدون مُقدّمات، حلّ وباء ​كورونا​ ضيفًا ثقيلاً على مُختلف دول ​العالم​، حاصدًا عشرات آلاف المُصابين وآلاف الضحايا، والأرقام الإجماليّة لا تزال بمرحلتها التصاعديّة. والسؤال الذي يجمع البشريّة كلّها حاليًا، هو: متى سينتهي هذا الكابوس؟.

بكل بساطة، لا إجابة علميّة أكيدة وثابتة حتى ​الساعة​، لأنّ هذا الوباء جديد من نوعه، وإنتقاله بين الناس سريع جدًا. وبالتالي، تُوجد تقديرات وتكهّنات مُختلفة ومُتضاربة، بشأن المدى الذي ستستغرقه دول العالم لمُحاصرة كورونا، ومن ثمّ للقضاء عليه، علمًا أنّ بعض الدول تشدّدت سريعًا في إجراءات عزل مواطنيها، في حين أن دولاً أخرى تأخّرت في ذلك عن جهل للمخاطر في بعض ال​حالات​، وعن سابق تصوّر وتصميم في حالات أخرى، لأنّها إعتبرت أنّ الكلفة الإقتصاديّة والماليّة لوقف الأعمال الصناعيّة والإنتاجيّة كليًا لديها، تفوق الكلفة الطبيّة لمُعالجة مُصابي كورونا! وهي عوّلت على نظريّات بعض الخُبراء الذين يُروّجون أنّ إنتشار الوباء بين عدد كبير من الناس قد يُولّد مناعة جَماعيّة ضُدّه، بدلاً من تطبيق ​سياسة​ العزل على الجميع، مُضحيّة بذلك بحياة الكثير من مُواطنيها! فما هي السيناريوهات المُحتملة للقضاء على كورونا؟.

أوّلاً: يُمكن أن ينتهي وباء كورونا بفعل نجاح سياسة الإحتواء في مُختلف المناطق والدول المَوبوءة في العالم حاليًا، عبر تشخيص كل الحالات، ومُحاصرتها من خلال تنفيذ سياسة عزل حازمة للمرضى، وتتبع تحرّكاتهم. لكن هذا الهدف صعب التحقيق جدًا، لأنّ الكثير من الدول لا تملك القُدرات الطبّية والإمكانات التطبيقيّة، وحتّى النيّة لذلك في بعض الحالات، إضافة إلى إفتقار الكثير من الناس للوعي العلمي والثقافي والأخلاقي، بشكل لا يُساعد في تنفيذ الحجر الصحّي، وفي الحدّ من إنتشار الوباء.

ثانيًا: يُمكن أن ينتهي تفشّي كورونا بعد إصابة الأشخاص الأكثر عرضة لإلتقاطه، على أن تتباطأ وتيرة إنتشاره بعد ذلك. لكنّ هذا السيناريو الذي يُروّج له بعض العُلماء، خاصة في ​الولايات المتحدة الأميركية​ وبعض الدُول الأوروبيّة، يعني تعرّض ملايين الأشخاص في العالم للوباء، وإرتفاع نسبة الوفيّات إلى عشرات الآلاف، وربما إلى مئات الآلاف!.

ثالثًا: يُمكن أن ينتهي وباء كورونا بفعل تباطؤ إنتشاره بشكل تلقائي، بعد إرتفاع حرارة الأرض في فصل الربيع وخاصة في فصل الصيف، لكن لا معلومات أكيدة حتى اليوم، إذا ما كانت الحرارة المُرتفعة ستحدّ من سرعة إنتشار هذا الوباء، على غرار ما يحصل مع فيروسات أخرى تضرب الجهاز التنفّسي، ومنها ​الإنفلونزا​ العاديّة، التي تنحسر عادة وبنسبة كبيرة، مع إرتفاع درجة حرارة الجوّ.

رابعًا: يُمكن أن ينتهي وباء كورونا عبر إبتكار لقاح فعّال للجمه، مع الإشارة هنا إلى أنّ التجارب السريريّة بدأت على مجموعة واسعة من اللقاحات التجريبيّة، والتي لا يقلّ عددها عن عشرين لقاحًا، لكنّ التأكّد من الفعاليّة ومن غياب الإنعكاسات الجانبيّة لأي لقاح جديد، سيستغرق فترة زمنيّة غير مُحدّدة، ربما تطول لأشهر عدّة، علمًا أنّ بعض الخبراء يتحدّث عن الحاجة إلى سنة ونصف تقريبًا، ليُصبح أي لقاح جاهزًا للإستخدام بشكل واسع وفعّال!.

إشارة إلى أنّه في حال أحسنت مُختلف دول العالم التعامل مع هذا الوباء، لجهة تشديد إجراءات العزل، والمُسارعة في تنفيذ الحجر الصحّي على المصابين، قد يكون أمام العالم فرصة للتخلّص خلال الأشهر القليلة المُقبلة من هذا الوباء، خاصة في حال تداخل أكثر من عامل مُساعد مُحتمل مع هذه الجُهود، مثل زيادة المناعة الجَماعيّة ضُدّه، ومثل تباطؤ إنتشاره عند إرتفاع حرارة الجوّ، مع إستمرار الأمل في تمكّن العُلماء من إبتكار لقاح فعّال بأسرع فترة مُمكنة.

وبالمُقارنة بأوبئة إنتشرت عالميًا في الماضي القريب، إنّ كورونا هو الأخطر والأسرع إنتشارًا. وفي هذا السياق، لا بُد من التذكير أنّ وباء "​إيبولا​"(1) الذي كان قد تفشّى في غرب ​إفريقيا​ (​غينيا​، ​ليبيريا​، وسرياليون) خلال العام2014، حتى العام 2016،أصاب ما مجموعه 28652 شخصًا، وأسفر عن مقتل 11325 شخصًا منهم، لكن من حُسن الحظّ أنّ إنتقال الوباء المّذكور لا يتمّ إلا عند التعرّض بشكل مُباشر لسوائلالمُصابين به، مثل الدم على سبيل المثال لا الحصر، الأمر الذي أدّى إلى حصر إنتشاره، وأفسح في المجال أمام الجسم الطبّي لتطوير لقاحات فعّالة ضُدّه مع الوقت. وبالنسبة إلى وباء سارس(2)، الذي كان قد إنتشر بين عامي 2002 و2004، إنطلاقًا من ​الصين​ أيضًا، فقد أصاب نحو 8000 شخص في العالم أجمع فقط، وقضى على 774 شخصًا منهم، لكن من حسن الحظّ أيضًا أنّ إنتشاره محصور بأشخاص على تواصل مُباشر عن مسافة قريبة مع شخص مُصاب به، ولوّ أنّ إحتمال إنتقاله عبر رذاذ السُعال أو العطس، وعبر الأشياء المُلوّثة مثل مقابض الأبواب وأزرار المصعد، إلخ. كان قائمًا بنسبة ضئيلة.

وفي الخلاصة، الأمل كبير بنجاح اللقاحات التي هي موضع إختبار حاليًا في إنقاذ الأرواح، والأمل كبير أيضًا بأن تُساعد الإجراءات المُطبّقة في العالم مَعطوفة على الإرتفاع المُنتظر لحرارة الجوّ، في الحد من إنتشار كورونا. لكنّ الإجراء الأهمّ والأكثر فعاليّة للسيطرة على هذا الوباء، ومن ثم للقضاء عليه، يتمثّل بتنفيذ أكبر قدر مُمكن من المُواطنين سياسة العزل الإرادي داخل المنازل، مع إعتماد أقل نسبة إحتكاك مُمكنة مع الآخرين. وكلّما جرى تطبيق هذه الإجراءات بدقّة، كلّما قصرت فترة ​القضاء​ على كورونا.وهذا الأمر يستوجب مُجدّدًا تكثيف حملات التوعية الإعلامية للمُواطنين من جهة، وإتخاذ أقسى العُقوبات ضُدّ المخالفين الجهلة الذين إن كانوا لا يهتمّون بصحّتهم وبصحّة عائلاتهم، عليهم-رغمًا عنهم، إحترام صحّة وحياة الآخرين، وعلى القوى الأمنيّة التعامل بالشدّة مع المُخالفين لردعهم!.

(1) يُعتقد أن وباء إيبولا إنتقل من حيوان برّي إلى ​الإنسان​ (مثل بعض فصائل القردة)، مع ترجيح أن يكون المصدر وطواط الفراولة الكبير الحجم، والذي يتمّ إصطياده وأكله في بعض الدول الإفريقية.

(2) يُعتقد أنّه إنتقل من حيوان إلى إنسان أيضًا، وربما من الوطاويط العادية.