على الرغم من أن أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​ يعتبر أنه من "نكد الدهر" أن يكون مضطرا لتبرير موقف الحزب في قضية ​عامر الفاخوري​، إلا أن الكثيرين كانوا ينتظرون خطابه لمحاولة فهم ما حصل في هذا الملف بشكل كامل، نظراً إلى أن أحداً في ​الدولة اللبنانية​ لم يقم بهذا الواجب، في حين أن الجانب الأميركي عبر عن موقفه، على لسان الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​، بتوجيه الشكر إلى الحكومة اللبنانية على تعاونها.

في خطابه، أكد السيد نصرالله ما كانت قد كشفته مصادر مطلعة في قوى الثامن من آذار عبر "النشرة"، أول من أمس، لناحية عدم وجود أي صفقة بين الحزب و​الولايات المتحدة​ في هذا الملف، بالإضافة إلى الاتصالات التي كانت قد حصلت معه من قبل بعض الأفرقاء المحليين، والتي كان جوابه عليها حاسماً بالرفض، إلا أن لتأكيد ذلك على لسان أمين عام الحزب أهمية كبرى، تكمن بالنقطة الأساسية التي انطلق منها، أي المعركة على وعي الرأي العام، وسعي العدو والخصم إلى زعزعة الثقة بين ​المقاومة​ وشعبها، التي تشكل السند الحقيقي في أي معركة.

في هذا السياق، كان السيد نصرالله واضحا بأن تلك المساعي أو المواجهة لن تنتهي، خصوصاً أن ما كشفته قضية الفاخوري على هذا الصعيد خطير جداً، لكن قبل ذلك هناك معادلة جدد التأكيد عليها، بعد أن كان قد تحدث عنها قبل ذلك في أكثر من مناسبة، وهي أن الحزب ليس هو الحاكم الفعلي في لبنان، كما يدعي البعض، لا بل، حسب قوله، هناك قوى سياسية كثيرة تأثيرها أكبر من تأثيره على المستوى الداخلي، وبالتالي يجب وقف الاتهامات التي توجه له على هذا الصعيد، والتي ربما يكون أبرزها محاولة تصوير الحكومة الحالية على أساس أنها حكومته، مع العلم أن مثل هذه الاتهامات حصلت في مراحل الحكومات السابقة.

هذه المعادلة، تفسر جزءاً أساسياً مما حصل في ملف الفاخوري، من وجهة نظر "حزب الله"، حيث نجحت الولايات المتحدة في الضغوط التي مارستها على بعض المسؤولين، نظراً إلى أنها حاضرة على الساحة اللبنانية، في حين أن هناك من رفض هذه الضغوط ولم يقبل الخضوع لها، وبالتالي هذه الساحة مفتوحة وما حصل في هذا الملف كان جزءاً من المعركة التي يجب التنبه لها، حيث كان واضحاً بأن السيد نصرالله أراد التنبيه من خطورة أن يشعر الأميركي بأنه يستطيع أن يحصل على ما يريد عبر استخدام سلاح التهديد بالعقوبات، خصوصاً في ظل ​الوضع الاقتصادي​ اللبناني المعروف، ما يعني عدم إمكانية التساهل، لا بل ربما يكون الحزب أكثر تشدداً في المرحلة المقبلة في هذا الاطار.

ما تقدم لا يعني طي ملف الفاخوري، حيث أكد أمين عام "حزب الله" ضرورة متابعته على المستوى القضائي، داخلياً وخارجياً، بغض النظر عما يمكن الوصول إليه على هذا الصعيد، لكن الأساس كان دعوته إلى فتح ​تحقيق​ قضائي أو برلماني لمعرفة تفاصيل ما حصل، وبالتالي محاسبة من يتحمل المسؤولية، لكن أبعد من ذلك أراد السيد نصرالله أن يستفيد من هذا الملف للتصويب على الطريقة التي تتعامل فيها واشنطن مع لبنان، لناحية تهريب الفاخوري رغم صدور قرار قضائي يمنعه من السفر، وتوجيه الانتقادات إلى من يرفع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال من حلفائها.

في المقابل، يبدو أن أقصى ما أزعج الحزب، في الأيام الماضية، كان مواقف بعض الحلفاء والأصدقاء، الأمر الذي دفع أمينه العام إلى الإعلان عن مرحلة جديدة في العلاقة مع هؤلاء، عنوانه رفض السكوت عن أي اتهام أو تشكيك أو تخوين أو إهانة أو شتيمة، داعياً من يريد الاستمرار بهذا النهج إلى الخروج من علاقة الصداقة أو التحالف، نظراً إلى أن من "نكد الدهر"، بحسب تعبير السيد نصرالله، أن يكون مضطراً إلى الدفاع عن "حزب الله" في هكذا ملف، خصوصاً أن الحزب هو من أولياء الدم، لكنه اختار عدم تسمية المعنيين على قاعدة أنهم يعرفون أنفسهم، حتى ولو كانوا لا يدركون خطورة ما قاموا به على هذا الصعيد.

في المحصلة، أراد السيد نصرالله أن يؤكد عدم علاقة "حزب الله" بأي صفقة في ملف الفاخوري، لا بل هو ذهب أبعد من ذلك لناحية الحديث عن عدم وجودها في الأصل، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو التعامل الواقعي مع هذا الحدث، لناحية الموازنة بين مصلحة البلاد والمقاومة وما كان من الممكن أن يقوم به الحزب، في رسالة واضحة إلى المزايدين.