سمر نادر​ - نيويورك

من كان يتوقع ان تنطفئ أنوار مدينة المدن، وان تفرغ ساحاتها من الزوار والمهاجرين الذين وجدوا فيها مرفأ الأمل الذي انطلقوا منه الى بناء مستقبل ناجح لهم ولأبنائهم. نعم مدينة نيويورك أُدرجت على لائحة الدول المنكوبة. تفشى الوباء بشكل خطير ولكن ليس بما تتحدث عنه التقارير الصحفية وتصاريح المسؤولين في الولاية.

صحيفة الغارديان البريطانية قالت ان مدينة نيويورك تستعد لتقنين أجهزة التنفس الخاصة بها لمرضى فيروس ​كورونا​ لمواجهة تفشي الوباء القاتل. وكان حاكم المدينة أندرو كوومو قد اعلن في مؤتمر صحفي ان إدارته تجوب العالم بحثاً عن الإمدادات الطبيّة.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلنها مدينة كوارث. وطالب بإرسال سفينة مستشفى عسكرية إلى نيويورك وتعبئة مهندسي الجيش والاستعانة بقانون يعود إلى الحرب الكورية.

كل الدول تتراشق بالتهم وتتهم الأخرى بعدم تحمّل مسؤولية تفشي الجائحة. اميركا تتّهم الصين، إيران تتّهم الغرب بمحاصرتها مع وباء سيقضي على الملايين اذا لم يتم القضاء عليه خلال أسابيع، يناشد وزير خارجيتها أمين عام الأمم المتحدة برفع العقوبات الأميركية عن ايران والسماح للتبادل التجاري مع اوروبا لشراء الأدوية، والا ستقع كارثة القرن الواحد والعشرين في الثلث الأول منه.

ان تفشي الوباء في الصين وايران وايطاليا التي هي باب الصين الى اوروبا ليس بالحدث البريئ. كما هو مخطئ من يعتبر ان الولايات المتحدة هي التي صنعت هذا الوباء كي تقضي على عدوّتها في الإقتصاد الصين، وعدوّتها النوويّة إيران، لأنّها الأكثر تضرراً في معركة الحياة هذه. لن أغوص في العلوم والأدوية، وحتى ولو سلمنا جدلاً وعرفنا من فبرك هذا الفيروس-الوباء، فإن العلم اقوى، وحصلت المصيبة، والعالم امام عدو واحد وحّد شعوب الأرض ووضعهم في معسكر واحد.

تفشّى الوباء، واصبح في بعض الأماكن خارج سيطرة من صنعه. من افتعله؟ معلومات المراقبين تشير الى ان مهندس النظام العالمي هو وراء كورونا القادر على تغيير لون الأرض وأسماء الدول والخرائط والحدود.

من ابتدعه، ولماذا اليوم؟.

منذ قرون ويحكى عن المنظمات الباطنية التي تتحكّم بحياة الشعوب. التي هي فوق القانون، تملك المال، تتحكّم باقتصاد العالم، تعيّن رؤساء جمهوريات، تقتل الذين لا ينصاعون لأوامرها. تعمل وتخطط خارج سيطرة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.

اليوم، وبعد أن أصبح السلاح أداة تقليدية، وبعد فشل المفاوضات حتى الساعة في التوصل اتفاق نووي مع إيران وكوريا الشمالية، وبعد ان أشرفت الصين على أن تتبوأ المركز الإقتصادي الأول في العالم، أصبح الجو جاهزاً لحرب بيولوجيّة يتحدث عنها الجميع اليوم.

في نيويورك، الوضع ليس مأساوياً كما تتناقل وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي. يحدثنا الدكتور حسن فرحات، مساعد رئيس قسم الطوارئ في مستشفى نيويورك كوميونيتي في بروكلين، فيشير أننا امام أسبوعين صعبين للغاية. فإذا التزم الناس بالحجر في المنازل، نكون قد قطعنا دائرة الخطر. ان مستشفيات نيويورك تركز اليوم على قسم الطوارئ، فهم يؤجلون العمليات غير المستعجلة في أقسام الجراحة لموعد لاحق حتى يُستفاد من تجهيزات هذه الأقسام والمواد وادوات التعقيم والكمامات. أغلبية هؤلاء المرضى بنسبة 80 في المئة، توصف حالتهم بالرشح او العوارض الخفيفة الناتجة عن فيروس الكورونا. يذهبون الى البيت للراحة مع حجر صحي حتى يشفوا من العوارض.

وأضاف فرحات، ان ذوي الحالات الصعبة، أغلبيتهم من كبار السن، او من الشباب المدخنين او الذين يعانون من امراض في القلب والرئة والسكّري. ان أكثريّة الإصابات الصعبة هي في دور العجزة، والأطباء يشرفون عليهم بشكل مركّز. ما نعانيه اليوم في مستشفانا هو نقص الأدوات الطبية، وان وزارة الصحة أبلغتنا انها سترسل لنا ما نحن بحاجة اليه. نحن نجهل حتى الساعة كيف وصل الوباء وبأيّ طريقة ينتشر. لا أنكر ان الوضع صعب، ولكن سنتخطاه بعد أسبوعين انشاء الله

في مستشفى كولومبيا في مانهاتن، أكد طبيب القلب ج. م. ان الوضع سيأخذ بعض الوقت، وهذا يعود الى استعداد الناس للبقاء في منازلهم، والتقيّد بإرشادات السلطات المعنيّة. ان عدد مرضى الحالات الصعبة اليوم في مستشفانا تعدّ بالعشرات. ولكن الأعداد في تزايد، ولا أحد يستطيع التنبؤ بشيئ طالما نحن ما زلنا في مرحلة الصعود. وأضاف الطبيب ان الإصابات ممكن ان تزيد في نيويورك، لأنها المدينة التي تحتضن عددا كبيرا من ذوي الأوزان، والمدخنين لكافة أنواع التدخين وخاصة المخدرات، فهم الأضعف في مواجهة الوباء، وحالات شفائهم صعبة لأنّ الوباء يستهدف الرئتين.

في مدينة ستايتن آيلاند في نيويورك، يتحدث الدكتور ه. حبيب، عن مستشفى ريتشموند الجامعي، فيقول انها تعالج حوالي 60 حالة من مصابي الكورونا، وخسرنا ثلاثة مرضى توفوا بسبب الوباء وهم من كبار السنّ. ويضيف انه يتوقع استمرار هذه الحالة الى 14 يوماً، للقضاء عليه.

في مستشفى مونتي فيور آينشاتاين في مدينة ويستشستر في نيويورك، تُخبر الدكتورة ماريا عجيمي، الأخصائية في زراعة الكلى، أن المستشفى الذي تعالج فيه مرضاها، يركز عمله على مصابي جائحة الكورونا، وهي تؤكد انه لا يعاني من نقص في المواد الطبية في المرحلة الراهنة. وتوضح ان هناك مستشفى تابع لمونتي فيور، قد جُهّز لمعالجة مرضى الكورونا بشكل كامل. وتضيف: ان من 18 الى 25 في المئة يدخلون المستشفى، فيما يغادر البقية للراحة في منازلهم. وان 10 في المئة من الذين يعالجون هم من ذوي الحالات الصعبة. وأغلبيتهم من كبار السنّ.

الوضع مخيف، ولكن الحذر والوقاية والإلتزام بإرشادات السلطات الأميركية واجب حتى العبور الى برّ الأمان. وحتى كتابة هذه السطور وصل اجمالي الوفيات في الولايات المتحدة إلى 389، بحسب تعداد رسمي لجامعة جونز هوبكنز. ان الولاية الأكثر تأثراً هي نيويورك مع 114 وفاة، وواشنطن مع 94، وكاليفورنيا مع 28. وسجلت حتى الآن 30 ألف إصابة على الأقل بالفيروس في جميع أنحاء الولايات المتحدة.