لم يكن متوقّعاً أن تحصل اي مواجهات لا سياسية ولا ميدانية، لا إقليمياً، ولا دولياً، على اساس ان العالم بكل إتجاهاته مشغول بإدارة أزمة فايروس ​كورونا​ وتداعياته. واذا كانت النداءات توالت حول ضرورة وقف الحروب والإشتباكات، والتفرغ لا بل التوحد لمواجهة مخاطر فايروس كورونا، بدا ان المصالح التي تقودها الدول عالمياً لا تتوقف عند أي أزمة مهما كان نوعها. رغم ان الشعوب تسأل: أين الأبحاث العلمية؟ كم انفقتم على التطوير الطبي؟ وهل يعقل ان دولاً تحكم العالم صارت تفتقد الى أبسط متطلبات معدّات الوقاية من فايروس؟ أظهر كورونا ان العالم العاجز هو مكوّن من دول سخيفة تسابقت بين بعضها في التسليح وصناعة المدمّرات والمعدات العسكرية الثقيلة، ولم تعر اهتماماً بقطاعات صحيّة متهالكة على مساحة العالم.

فماذا سجّلت الساعات الماضية؟ وماذا بعد؟.

كان الأميركيون والإيرانيون تبادلوا رسائل عن بُعد توحي بالإستعداد للدخول بمفاوضات غير مباشرة إنطلاقاً من العناوين الإنسانية: تداعيات كورونا والأسرى. عملت ​سويسرا​ على تسويق مشروع إطلاق طهران لسجناء يحملون الجنسية الأميركية أو ممّن دانتهم ​ايران​ بجرم التجسس او العمالة لصالح الأميركيين، مقابل ان تخفف ​واشنطن​ من حجم العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية. اوحت المؤشرات الأولى ان الخطوات السويسرية مضت الى الأمام. لكن بدا بعدها ان الفريقين يريدان دخول المفاوضات غير المباشرة، عبر سقف عالٍ يخدم اهداف كل منهما. كل فريق يسعى لفرض أولوياته. زادت واشنطن من حدّة العقوبات خلال الايام الماضية، فأرسل حلفاء ايران رسائل نارية في ​العراق​ توحي بإزدياد وتيرة المعركة ضد القوات العسكرية الأميركية المتواجدة هناك.

لم تقتصر الامور عند هذا الحد، بل ذكرت المعلومات أن الإيرانيين والاميركيين يتحضّرون لمواجهات شديدة. ومن هنا جاء القصف الذي طال مطار الشعيرات في ​سوريا​ مساء الثلاثاء الماضي، بعد معلومات وصلت للاميركيين عن وجود اجتماع عسكري يترأسه قائد ​فيلق القدس​ اسماعيل حقاني، يجمع فيه قيادات في قوات حليفة لطهران في الإقليم. في الوقت الذي تعمل القوات الأميركية على التخفّي وتدعيم مراكزها العسكرية، وسحب مجموعات من ثكنات مكشوفة في العراق، وزيادة تعزيز قواعدها العسكرية كقاعدة عين الأسد.

كل ذلك يعني أنّ الفريقين الأميركي والإيراني يستعدان الآن لمنازلة يعتقد كل طرف فيها أنه يستطيع الإنقضاض على الآخر، بسبب ضعف إمكانياته وسوء ظروفه: اولاً، طهران ترى أن الإدارة الأميركية أصبحت أكثر ضعفاً على أبواب الانتخابات الرئاسية، وبسبب تداعيات كورونا، ونتيجة تصرف الشعب الأميركي الذي يقدم على التسلح داخل ​الولايات المتحدة​، تحت عنوان حماية نفسه من سرقات محتملة جراء الأزمات المتراكمة، ولاسيما إقتصادياً.

ثانياً، يعتقد الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ ان إيران باتت اشد ضعفاً أمام أزماتها الاقتصادية الصعبة بسبب عقوباته المالية والحصار الغربي على الجمهورية الإسلامية، وانخفاض اسعار ​النفط​ الذي يقلل من مواردها المالية، وتداعيات كورونا. وهو ما يتيح له رفع سقف تهديداته، الى حد توجيه رسائل نارية، يظن بعدها ان ترضخ طهران، وترفع تلك الرسائل من نسب المؤيدين له في الإنتخابات الأميركية المقبلة، بعدما فشل اعتماده في السنوات الماضية على العنوان الإقتصادي الداخلي الذي يترنّح الآن بسبب تراكم الأزمات الصحية والعالمية.

لكن الخبراء يجزمون ان هدف طهران وواشنطن اللعب على حافة الهاوية، للدخول في مفاوضات يريدها ترامب محدودة البرنامج، وتريدها طهران واسعة النطاق بدءاً من رفع العقوبات عنها، على أساس نوايا حسنة من دون شروط.

الإقليم هو في مساحة التصعيد الميداني بغاية الوصول الى حلول، في ظل مساعٍ قائمة للوسيط السويسري لإنجاح دوره التسووي العالق عند حسابات الفريقين في لحظة صعبة بغاية التعقيد: فهل تشتد الأزمة لتنفرج؟.