ظهر من خلال التمعّن بشكل الخطة المالية الاقتصادية التي تعدّها ​الحكومة​، أنها عبارة عن دراسة مالية أعدّها محاسبون، وبعيدة كل البعد عن الخطة الشاملة التي يحتاج إليها ​لبنان​ في هذه الظروف الصعبة. وبعد الشكل، ندخل إلى مضمون الدراسة، لتفصيله، والخروج بأسئلة حول صحّته، ودقّته، ونتائجه.

إنهيار بقيمة الناتج المحلي...

تقول الخطة أن ​صندوق النقد​ يريد أن تكون نسبة دين الدولة من إجمالي الناتج المحلي من اليوم حتى 5 سنوات، ما بين 60 الى 80 بالمئة، بينما هي اليوم تسجل حوالي 176 بالمئة، وبالتالي تتكرر الاخطاء نفسها، من خلال الإنطلاق مما يريده الصندوق، لا مما يحتاجه لبنان، ولكن المشكلة الأكبر كانت في الشقّ المتعلق بتوقعات الناتج المحلي اللبناني خلال السنوات المقبلة، وسعر صرف الليرة مقابل ​الدولار​.

عندما تتطرق الدراسة الى سعر صرف ​الليرة اللبنانية​ مقابل الدولار، فهي تشير الى أن سعر الصرف في العام 2019 يبلغ 1582 ليرة، وهذا رقم جديد مجهول المصدر ويشكل خطأً غير مفهوم وغير مفسّر، اذ أنّ السعر الرسميلتاريخه يبلغ 1507.5، وتشير الدراسة أيضا الى أن سعر الصرف الرسمي سيتغير قانونيا ورسميا وسيصبح في العام 2020، 2302 ليرة، وفي العام 2021 سيصبح 2607 ليرات، وبكل تأكيد سيكون لهذا الامر إنعكاسه على الناتج المحلي الإجمالي، وهنا يجدر الإشارة الى أن الخطة لا تذكر كيفية تثبيت سعر الصرف على 2302، وبحال أرادوا الحفاظ عليه بطريقة اصطناعية، يعني انهم سيضخون المزيد من الدولارات ليبقى ثابتا.

ومن ثم عندما تتحدث الدراسة عن الناتج المحلي اللبناني، تشير الى أنه في العام 2019 بلغ 77.419 ألف مليار ليرة، أي حوالي 51 مليار دولار أميركي، بينما تقول الأرقام أن الناتج المحلي سيشهد انخفاضا في العام 2020 حوالي 12 بالمئة، وسيصبح المجموع 78.706 الف مليار ليرة، أي حوالي 52 مليار دولار بحال كان سعر الصرف 1507، ولكن وبحسب الدراسة فإن سعر الصرف الرسمي سيبلغ 2302، وبالتالي فإن الناتج المحلي في العام 2020، سيصبح ما يوازي حوالي 34 مليار دولار، ما يعني أن الانخفاض الفعلي لن يكون 12 بالمئة كما ذكرت الخطة بل يصل الى حدود الـ 34 بالمئة، وهذا ما يُعتبر كارثة ماليّة اقتصاديّة.

كذلك تذكر الدراسة أن نسبة ​الدين العام​ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019 هي 176 بالمئة، ومجموع الدين العام يبلغ 90.2 مليار دولار، من بينها 56.8 مليار دولار ديونا داخلية بالليرة اللبنانية، و31.3 مليار دولار ديونا خارجية، و2 مليار بخانة مختلفة، وتذكر أيضا أن ​الدولة اللبنانية​ تُريد خفض هذه النسبة خلال العام 2020 من الـ176 بالمئة الى 91.9 بالمئة من الناتج المحلي، أي من 90.2 مليار دولار (ناتج محلي 51 مليار دولار) الى 31 مليار دولار (ناتج محلي 34 مليار دولار) بحال كانت أرقام الخطة صحيحة، ما يعني إلغاء حوالي 60 مليار دولار من الديون أي ما يوازي حوالي 70 بالمئة منها خلال أشهر قليلة متبقية من العام 2020، وهذا الرقم يُعتبر مستحيلا خلال هذه الفترة وينتج عن خزعبلات محاسبيّة، وإن كان من الممكن كتابة هذه الارقام على الورق، الا أنه من المستحيل تنفيذها لا على نطاق دولة ولا شركة ولا حتى نطاق فردي، وبما أن صندوق النقد ومجموعة الدول الداعمة للبنان ليسوا اغبياء، فإن هذه الدراسة لن تنال ثقة هؤلاء إطلاقا.

عجز ​الموازنة​...

بالنسبة الى ​العجز​ في ​الموازنة العامة​، تشير الأرقام الى أننا في العام 2020 سنسجل عجزا يصل الى 7.2 بالمئة، وذلك على أساس ميزانية عام 2019، مع تخفيض بعض النفقات لتقليص العجز، ولكن كيف يمكن اعتبار هذه الدراسة سليمة إقتصاديا، ومدخول الدولة في العام 2020 سينخفض بشكل كبير كما شرحنا آنفًا، مع تبدل سعر صرف الدولار رسميا وجراء الانكماش الاقتصادي الحاد، وتدهور الثقة بالدولة، وضعف الجباية، وبالتالي تعاني هذه الدراسة من اخطاء محاسبيّة تجعلها غير قابلة للتنفيذ.

هذا بالنسبة للقسم الاول من تفصيل مضمون خطة الحكومة، فماذا عن القسم الثاني والذي يتضمن الحديث عن إجراءات توفير الأموال، وطلب هدم قطاع ​المصارف​ لإعادة بنائه. الجواب في الجزء الثالث من هذا الملف.

لقراءة الموضوع الأول من السلسلة والذي يحمل عنوان "قراءة في خطة الحكومة للإنقاذ الإقتصادي: خطة على قياس صندوق النقد"