بغضّ النظر عن هويّة رُكّاب ​سيارة​ الدفع الرباعي التي إستهدفت ب​صاروخ​ جوّ أرض من مُسيّرة إسرائيليّة في منطقة ​جديدة يابوس​ قرب الحدود ال​لبنان​يّة السوريّة الأسبوع الماضي(1)، وعن المُهمّة الأمنيّة التي كان هؤلاء يُنفذونها، فإنّ الإعتداء الجديد يدخل في سياق هجمات مُمنهجة ومَفتوحة تُنفّذها إسرائيل،وتأتي إستكمالاً لعمليّات مُتواصلة من الرصد الإستخباري ومن المُراقبة الجويّة لتحرّكات مُقاتلي "​حزب الله​" في ​سوريا​ ولبنان على السواء. وفي الليلة التالية لهذا الإعتداء، كشفت إسرائيل عن تمزيق السياج الشائك في ​الجنوب​ اللبناني في ثلاثة أماكن مُختلفة، وتحديدًا في كلّ من أفيفيم ، ويفتاح، والمطلّة، من دون أن يتمّ رصد أيّ عمليّة تسلّل لأيّ مُقاتلين إلى داخل المُستعمرات الإسرائيليّة القريبة. فما الذي يحصل، وما هي الرسائل المُتبادلة؟.

أوّلاً: يُمكن إدراج ما حصل بأنّه ضُمن قواعد الإشتباك القائمة بين إسرائيل و"حزب الله" منذ العام 2014 حتى تاريخه، حيث يُنفّذ "الحزب" ضربة في مُقابل ضربة، ورسالة في مُقابل رسالة. وبالتالي، إنّ ما حصل على الحدود الجنوبيّة أخيرًا، هو عبارة عن "تسلّل لم يحصل"–إذا جاز التعبير، في مُقابل "إغتيال لم يحصل" أيضًا!. بمعنى آخر، وجّه "حزب الله" تحذيرًا ميدانيًا شديد اللهجة للإسرائيليّين، مَفاده أنّ أيّ عمليّة إغتيال جديدة تطال أيّ مسؤول أو عناصر من "الحزب"، قد يُردّ عليها بعمليّة مُوجعة داخل مناطق سيطرة إسرائيل، حتى ضُمن نطاق ​الخط الأزرق​، وليس كما كان يحصل سابقًا في ​الجولان​ السوري المُحتلّ أو في نطاق ​مزارع شبعا​ اللبنانيّة المُحتلّة.

ثانيًا: بيّن الإستهداف الجوّي الإسرائيلي الجديد، والذي يدخل في سياق تحليق دائم للطيران وللمُسيّرات الإسرائيليّة فوق لبنان، إستمرار تمتّع الإسرائيليّين بحريّة حركة في الجوّ، حيث تكاد لا تغيب الطائرات من دون طيّار عن سماء لبنان، مع تكثيف مَلحوظ لهذه الطلعات خلال الأيّام الماضية، على الرغم من تهديدات "الحزب" السابقة بضرب وبإسقاط المُسيّرات المُعادية، وهو ما لم يحصل إلا نادرًا. وأظهر الإستهداف أيضًا، قُدرة الإسرائيليّين على الرصد الإستخباري لتحرّكات الوحدة 112 التابعة للحزب، وعلى كشف وإعتراض سيّارات مدنيّة مُكلّفة بمهمّات أمنيّة ضُمن مَنظومة "حزب الله".

ثالثًا: أثار فشل العمليّة إستغراب أكثر من مُحلّل، لأنّ ​صواريخ​ المُسيّرات الإسرائيليّة الكبيرة الحجم، أكانت من طراز "إيتان" أم من طراز "هرمس 450"، هي عالية الدقّة في إصابة أهدافها، على الرغم من صُغر حجم هذه ​الصواريخ​، بحيث جرى التساؤل ما إذا كان هذا الفشل الإسرائيلي في ​تحقيق​ أهداف العمليّة الأمنيّة هو مُتعمّد أم عن طريق الخطأ. أكثر من ذلك، إنّ إنفجار السيارة المُوثّق بكاميرات المُراقبة، تمّ بعد دقيقة و35 ثانية من توقفها بشكل كامل إلى جانب الطريق، ومن نزول ركّابها منها، من دون أن يُعرف سبب هذا التأخير الكبير في إستهدافها بصاروخ ثانٍ،بعد فشل إصابتها بالصاروخ الأوّل–بحسب الرواية التي جرى تعميمها. والتساؤلات طالت تصرّف الركّاب أنفسهم، فهل يعود عناصر مُستهدفون بصواريخ مُتلاحقة من الجوّ، إلى السيّارة بعد إخلائها، لجلب حقائب يد، مهما كانت أهميّة هذه الحمُولة المَنقولة!.

رابعًا: أظهر العبث بالسياج الأمني في الجنوب فشل مَنظومة التحذير المُبكر التي صرفت إسرائيل ملايين الدولارات لإقامتها على حدودها الشماليّة، والتي تتضمّن جدارًا إسمنتيًا مُصفّحًا في مناطق عدّة عند الحدود الجنوبيّة للبنان، وأبراج مُراقبة مع كاميرات وأجهزة تحسّس، وسياجًا إلكترونيًا يُفترض أن يُطلق إنذارات عند أيّ ضرر يلحق به، إلخ. كما أظهر هذا الخرق الذي نُسب إلى "حزب الله" كرسالة ردّ تحذيريّة على الرسالة الإسرائيليّة الأمنيّة الفاشلة، خرقًا جسيمًا لإجراءات الحماية التي يُنفّذها ​الجيش الإسرائيلي​ لقوّاته وللمُستعمرات الحدوديّة، لأنّ الخرق حصل في ثلاثة أماكن مُتباعدة جُغرافيًّا، ولأنّ إكتشافه من قبل الدوريّات الإسرائيليّة لم يتمّ إلا بعد مُرور ساعات عدّة على حُصوله. وهذا يعني أنّ الجهة التي نفّذت الخرق للسياج الإكتروني، كانت قادرة على التسلّل والدُخول إلى مناطق سيطرة إسرائيل من أكثر من موقع في آن واحد، وعلى تنفيذ ما تريده، ثم الإنسحاب بأمان! أكثر من ذلك، تبيّن أنّ الخرق الأمني للحدود التي تتباهى إسرائيل بحمايتها، تمّ في نقاط لم يكن فيها دوريّات إسرائيليّة راجلة أو مُؤلّلة، تجنّبًا لوُقوع أيّ مُواجهة غير مرغوبة حاليًا مع الإسرائيليّين، ما يعني أنّ الحدود كلّها ضُمن الخط الأزرق مُراقبة بدقّة مُتناهية من جانب "حزب الله" الذي كان بإمكانه الوُصول إلى أكثر من مُستعمرة حدُوديّة بسبب الثغرات في نظام الحماية الإلكتروني الإسرائيلي.

خامسًا: "حزب الله" نفى في بيان رسمي تنفيذه أيّ عمليّة في الجنوب، في الوقت الذي تساءل أكثر من مُحلّل عن مدى أهميّة توجيه "الحزب" رسالة أمنيّة لإسرائيل، في مُقابل كشفه لثغرات في جدار السياج الإلكتروني الإسرائيلي. فإذا كان صحيحًا أنّ فتح ثغرات في السياج الحُدودي الفاصل، أثار الرعب في صُفوف المُستعمرين، وأظهر فشلاً دفاعيًا مُهمًّا للجيش الإسرائيلي، إلا أنّه في المُقابل، أعطى إسرائيل فكرة عن ثغرات كان يُمكن الإستفادة منها في أيّ مُواجهة مُستقبليّة مع جنود العدوّ، بدلاً من منحهم الوقت الكافي لمُعالجتها! فهل فعلاً لم يُنفّذ "الحزب" أيّ تحرّك على الحدود، أم أنّه قام بالعبث بالسياج، لإخافة الإسرائيليّين من جهة، وربما لتضليلهم وجعلهم يُركّزون على ثغرات لن يستغلّها في المُستقبل، حيث يُمكنه التسلّل خلف الحُدود الجنوبية عبر وسائل وأساليب أخرى؟!.

في الخُلاصة، يُمكن القول إنّ ما حصل في الجنوب هو عبارة عن تسلّل برّي لم يحصل، ردًا على عمليّة إغتيال من الجوّ لم تحصل أيضًا على الحدود اللبنانيّة–السُورية، وذلك في سياق الصراع الأمني والإستخباري المُفتوح بين إسرائيل و"حزب الله". وقد نجت المنطقة من تصعيد كبير كان يُمكن أن يحصل، فيما لو نجحت عمليّة الإغتيال، وفيما لوّ جرى تنفيذ التسلّل جديًا. والأكيد أنّ ما حصل لم يخرج على قواعد اللعبة القائمة منذ سنوات، وهو يدخل في سياق التحضيرات المُستمرة للمُواجهة الكُبرى التي لم يحن موعدها بعد!.

تردّد أنّ مُصطفى عماد مغنّية الذي يحظى بموقع حسّاس ضُمن الوحدة 112 في "حزب الله" كان على متنها، إضافة إلى ضابط إيراني، في حين ذكرت مصادر أخرى أنّ القيادي عماد كريمي كان على متن السيارة.