منذ استقالة رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ من منصبه كرئيس للحكومة بشكل مفاجئ ودون التنسيق مع المعنيين، وبعد ان كان من اكبر المتحمّسين للبقاء واجراء الاصلاحات الموعودة والابقاء على التفاؤل بقرب اننتهاء الامور وعودة الاوضاع الى ما كانت عليه، كان واضحاً ان ​الثنائي الشيعي​ دفع باتجاه عودته الى السراي. وفي حين تخلّى ​حزب الله​ عن الموضوع بعد ان لمس عدم جدية رئيس ​تيار المستقبل​ في مقاربة الامور، واظهار نفسه على انه "الضحيّة" بين كل السياسيين والمسؤولين الذين يقع على عاتقهم جميعاً وصول البلد الى ما وصل اليه، دفع باتّجاه البديل، فيما سار رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه برّي​ في هذا المسار على مضض، لانّ الامور كانت بلغت أوجها ولم تعد تحتمل المماطلة او الانتظار.

بات مكشوفاً ان العلاقة بين برّي ورئيس الحكومة ​حسان دياب​ ليست سمناً وعسلاً، كما انها ليست راسخة ومتينة مع ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ على عكس ما كانت عليه العلاقة مع الحريري منذ ​التسوية الرئاسية​ وقبيل تقديم الاخير استقالته. وفي المقابل، يبدو واضحاً ايضاً ان دياب كان امام خيار "​الانتحار​ السياسي" لجهة الظهور بمظهر المسلِّم بالامور دون نقاش، او اظهار نفسه للناس على انه "خليفة ​سليم الحص​"، فاختار الثاني لتفضيله المواجهة السياسية مع بعض الاقطاب والاطراف احياناً مقابل كسب شعبية وتعاطف الناس. هذا الرهان الذي قام به رئيس الحكومة هو سيف ذو حدين، لان نتائجه غير مضمونة، والدليل ما دفع ثمنه الحريري نفسه حين قدم استقالته ليبدو كـ"البطل" المنقذ، بينما خسر في الواقع مكانته السياسية وتعاطف الشعب معه على حدّ سواء، وها هو يعمل على تمتين موقفه عبر اتصالات ونشاط والتزامه معارضة الحكومة بالشكل والمضمون.

عادت محركات رئيس تيار المستقبل الى الدوران، وفي حين انّ بري لا يزال متحمساً لعودته، وسيكسب دون شك تعاطف رئيس ​الحزب الاشتراكي​ ​وليد جنبلاط​ ايضاً، وقد ينجح مجدداً في استمالة ​القوات اللبنانية​ وبعض الاحزاب الاخرى، فإنّه يصطدم بممانعة قويّة من رئيس الجمهورية وعدد من الاحزاب، فيما يبدو حزب الله اكثر حذراً في تبنّي هذا الخيار مجدداً، لانه سيعني حتماً فتح مواجهات سيّاسية مع اطراف لا يرغب في خوض معارك مجانيّة معها، كما انه سيظهر امام جمهوره وكأنه فشل في ​تحقيق​ بدايات موعودة ل​تعبيد طريق​ الاصلاح و​محاربة الفساد​. هذا في الداخل، اما في الخارج فقضيّة اخرى، لان وباء ​كورونا​ قلب الامور رأساً على عقب في مواضيع حساسة، وبات الاهتمام منصباً على معالجة الاوضاع الداخليّة للدول خصوصاً منها الكبيرة والمؤثّرة، وحتى شروط ​الولايات المتحدة​ الاميركيّة لمساعدة لبنان لم تعد تمثل الثقل الكبير، لان معاناتها الماليّة والاقتصاديّة وارتفاع نسبة ​البطالة​ بشكل قياسي في فترة زمنية قصيرة،وضعها امام مشهد دقيق دفع الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ الى اعادة حساباته والزمته فتح جبهات عديدة مع الفرقاء الاميركيين في مختلف الولايات.

باختصار، فيما يسود الكلام في الاعلام عن انطلاق سباق الحروب من اجل رئاسة الجمهوريّة، فإن الاقرب الى المنطق والواقع هو انّ الحرب بدأت بالفعل من اجل ​رئاسة الحكومة​، فهل ستصمد دفاعات دياب وتحصيناته للسراي ام ستسقط امام الاندفاع الهجومي للحريري ومن معه في سبيل استعادة ما اختار ان يخسره بملء ارادته بفعل خطأ جسيم في الحسابات؟ والاكثر اهميّة يكمن في معرفة مصير هذه الحرب على لبنان بشكل عام، وقدرة ايّ من الطرفين على وضعه على السكّة الصحيحة لاستعادة نشاطه وقدرته على النهوض من جديد.