إعلان رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب فتح معركة تغيير السياسات النقدية الفاشلة، التي ينتهجها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، منذ أكثر من عقدين بتوجيه من الطبقة السياسية والمالية التي حكمت البلاد، يرسم، كما هو واضح، مفتاح الخطة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تستعدّ الحكومة للإعلان عنها لإنقاذ لبنان واللبنانيين من أتون الأزمات التي باتوا غارقين فيها، بفعل السياسات الريعية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة منذ عام ١٩٩٣.. فحكومة دياب ورثت تركة ثقيلة ناتجة من هذه السياسات، تتجسّد في…
1 ـ دين عام بلغ عتبة المائة مليار دولار.
2 ـ عجز في الموازنة ناهز الـ ١١ بالمائة قبل انفجار الأزمة في الشارع وحرب جائحة كورونا التي شلت الاقتصاد في لبنان والعالم.
3 ـ ميزان تجاري يعاني من عجز يقدر بين ١٥_١٦ مليار دولار، في العام ٢٠١٩ ومن المؤكد انه ازداد بعد كورونا..
4 ـ تراجع كبير في احتياطات البنك المركزي من الدولار.. أدّى إلى التسبّب بانفجار الازمة المالية وانكشاف عجز الدولة عن سداد ديونها، واستخدام ما تبقى لديها من احتياط لتأمين مشتريات لبنان من المواد والسلع الإستراتيجية.
5 ـ تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، والذي زاد منه المضاربة في السوق، وتقنين ثم حجب دفع الدولارات، من قبل المصارف، لاصحاب الودائع.. واخيرا تعاميم حاكم مصرف لبنان التي احدثت قلقا واضطرابا.
6 ـ مؤسسة كهرباء لبنان تعاني من عجز مالي كبير، وتحتاج إلى بناء معامل إنتاج تضع حدا للتقنين واستمرار العجز.. الذي يكلف الخزينة سنويا ملياري دولار..
هذه أبرز التحديات التي تواجه حكومة دياب، وهي ليست بالأمر السهل، وتحتاج إلى خطة متكاملة، وقبل ذلك الإمساك بناصية القرار المالي والاقتصادي في البلاد حتى تتمكن من تنفيذ خطتها الإنقاذية الإصلاحية.. غير ان الطريق أمامها ليس مفروشا بالورود، إنما بالاشواك، التي زرعتها الطبقة السياسات والمالية التي حكمت البلاد بعد اتفاق الطائف، والمسؤولة عن كل الأزمات المذكورة انفا.. ولهذا على الحكومة البدء بإزالة العقبات التي تقف في طريق تنفيذ خطتها، لا سيما لناحية استعادة الأموال المهربة، ومكافحة الفساد، واسترداد أموال وحقوق الدولة المنهوبة من الفاسدين.. وأولى العقبات التي برزت في طريقها هي حاكم مصرف لبنان، الذي يرفض التعاون والتنسيق مع الحكومة بما خص السياسة النقدية التي يجب اتابعها، او بما خص تقديم كشوفات عن الحسابات للوقوف على الواقع المالي في البنك المركزي، ولتحديد الجهات والأشخاص الذين هرّبوا مليارات الدولارات عشية انفجار الازمة في ١٧ تشرين وبعد هذا التاريخ إلى اسابيع خلت، إلى خارج مما أدّى إلى شحّ الدولارات في السوق، ولدى المصارف، التي شاركت في تهريب الأموال التي هي ودائع المواطنين، بالتواطؤ مع حاكم المصرف.. والتي قال رئيس الحكومة انها تقدر بنحو خمسين ألف مليار دولار.. ما يؤكد وجود مؤامرة لزيادة حدة الازمة المالية والاجتماعية.. والسعي إلى تأليب الناس ضدّ الحكومة بهدف إسقاطها في الشارع.. لمصلحة عودة الطبقة السياسية والمالية، التي فقدت السلطة، إلى الحكم، عبر تشكيل حكومة جديدة من الاختصاصيين، يكون هواهم هوى أميركيا.. ويتمّ من خلالها اقصاء حزب اللله وحلفائه عن السلطة، انسجاما مع الشروط الأميركية، التي كررها، قبل إيام وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو..
انطلاقا من ذلك، جاء الهجوم العنيف من قبل الرئيس دياب، على رياض سلامة، ووضعه بين ثلاثة خيارات..
الخيار الأول، التوقف عن سياسة التلاعب بسعر صرف الدولار، والتعاون والالتزام بتنفيذ سياسة الحكومة النقدية والمالية الجديدة لمعالجة الأزمة.. وهذا يعني ان يتخلى سلامة عن الاستماع إلى الطبقة السياسية والمالية التي تعمل على إثارة المزيد من الأزمات والمتاعب بوجه الحكومة لإفشالها ومنعها من النجاح في إنقاذ البلاد من الازمة المالية والوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب..
الخيار الثاني، ان يواجه المساءلة والمحاسبة على تعريضه البلاد إلى اضرار فادحة نتيجة سياسته النقدية التي ادت الى خسائر مالية كبيرة لحقت بمالية الدولة وانهيار سعر صرف الليرة وتضرر القدرة الشرائية للمواطنين.. وهو ما يقود إلى تمهيد الطريق امام..
الخيار الثالث، إقدام الحكومة على إقالة سلامة بسبب أدائه السيّئ في حماية مالية الدولة وقيمة سعر صرف الليرة..
ولأنّ سلامة يواجه هذه الخيارات التي ستكشف الطبقة السياسية والمالية في كلّ الحالات، سارعت أطراف هذه الطبقة إلى الاستنفار على غير صعيد، وشن هجوم واسع على الرئيس حسان دياب واتهام بالعمل على تنفيذ انقلاب بلغة عسكرية، والانتقام من مرحلة كاملة، وصولا إلى اتهامه باتباع سياسة حزب الله والتيار الوطني تستهدف النظام السياسي والاقتصادي والمالي والميثاق إلخ… وقد بدأت هذه الأطراف العودة إلى الشحن الطائفي والمذهبي لحماية مصالحها وإعاقة خطة الحكومة للمحاسبة المالية وتهريب الأموال للخارج وملاحقة الفاسدين الذين يثبت تورّطهم في الفساد المالي وجرم تهريب عشرات مليارات الدولارات إلى الخارج لإحداث الأزمة في البلاد والانقلاب على المعادلة السياسية والنيابية.. وهو ما كان في أحد أسباب مسارعة هذه الاطراف السياسية إلى ركوب موجة انتفاضة ١٧ تشرين ومن ثم استقالة الرئيس سعد الحريري ومحاولة فرض تشكيل حكومة اختصاصيين «مستقلين» برئاسته ينتقيهم هو.. لكن الأمور لم تجر كما كان يشتهي هو والإدارة الأميركية التي تدعم هذا الخيار لإخراج حزب الله وحلفائه من السلطة في سياق خطة تنظيم انقلاب سياسي واجراء انتخابات مبكرة لمحاولة الإتيان بأغلبية نيابية لمصلحة قوى ١٤ آذار…
من هنا فإنّ الحكومة والقوى السياسية والشعبية التي تدعمها، دخلت في معركة شرسة مع الأطراف السياسية التي فقدت جنة الحكم وقرّرت خوض معركة الدفاع عن مصالحها.. وهي معركة ستقرّر بالتأكيد ما اذا كانت الحكومة ستنجح في خطواتها الأولى لتطويع او إزاحة حاكم مصرف لبنان لشقّ طريق طريق الإصلاح المالي والاقتصادي ومحاربة الفساد والفاسدين بدءاً باسترداد أموال وحقوق الدولة المنهوبة، واستعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي ووضع حدّ لتضخمه… واستطراداً اتباع سياسة تقوم على دعم الإنتاج الوطني، بما يضع نهاية للسياسات النيوليبرالية الريعية التي فشلت في لبنان ودول العالم الأخرى لكونها لم تؤد سوى إلى إنتاج الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية..