تساءل الخبير الاقتصادي والمصرفي ​نسيب غبريل​، "كيف أنّ أعمال الشغب التي تطال المصارف تصبّ في صالح أموال المودعين، خصوصًا أنّ "​جمعية المصارف​" صرّحت في بيان رسمي أنّها والمودع في خندق واحد، في مقابل محاولات وضع اليد على ​القطاع المصرفي​ وودائع الأفراد؟، وقد تجلّى ذلك خصوصًا في مسودّة خطّة الإنقاذ المالي الّتي تعدّها ​الحكومة​ والّتي تتضمّن "هيركات" على الودائع بغضّ النظر عن نفي المسؤولين وتَنصّلهم منها".

وأوضح في حديث صحافي، أنّ "أعمال الشغب الّتي شهدتها بعض المناطق تجاه المصارف أدّت بالنتيجة الى إقفال المصارف في منطقة ​طرابلس​ والدفع في اتجاه إقفال المصارف عن طريق الاعتداءات، وهذا الوضع لا يصبّ مطلقًا في مصلحة المودعين. أمّا القول إنّ هذه الأعمال ناتجة عن غلاء المعيشة وتدهور سعر صرف ​الدولار​، فنتساءل ما مسؤوليّة المصارف في ذلك؟". وأكّد أنّ "غلاء المعيشة يكوي الجميع من دون استثناء، ومعالجته من مسؤوليّة الحكومة و​حماية المستهلك​ الّتي عليها أن تردع من يرفع الأسعار، وبالتأكيد أنّ الحل ليس عبر القيام بأعمال الشغب وإحراق فروع المصارف".

ورأى غبريل أنّ "انعدام الثقة وهبوطها إلى مستويات غير مسبوقة هو السبب الرئيسي لهذا التدهور المعيشي الّذي نعانيه جميعًا، إلى جانب كشف الحكومة في خطّتها الماليّة الإنقاذية نيّتها إجراء "قَصّ شعر (هيركات)" على نسَب معيّنة من الودائع". ولفت إلى أنّ "​لبنان​ يتخبّط راهنًا بأزمتين: أزمة السيولة وأزمة الثقة الّتي من الصعب استعادتها في فترة قصيرة"، مشيرًا إلى أنّه "قد مرّ أكثر من 100 يوم على عمر الحكومة، إلّا أنّنا لم نرَ منها حتّى الآن أي خطوات عمليّة ومُقنعة تجاه الأزمة الّتي تتخبّط فيها البلاد، علمًا أنّ الخطوة الأولى يجب أن تبدأ بمفاوضة "​صندوق النقد الدولي​" على برنامج تمويلي وإصلاحي يفترض أن تعدّه الحكومة".

وتساءل: مَن عرقل إقرار الـ"كابيتال كونترول" وسحبه من التداول، الّذي كان من شأنه تنظيم السحوبات والتحاويل المصرفيّة، الحكومة أم المصارف؟ هذا التخبّط الّذي تعيشه الحكومة هو السبب وراء انعدام الثقة، وبالتالي التَسارع في انهيار سعر الصرف. ما هي الإجراءات الّتي اتّخذتها الحكومة لبدء حلّ أزمتَي الثقة والسيولة؟". وبيّن أنّ "القرار الوحيد الّذي اتّخذته الحكومة حتّى الآن هو التضحية بسمعة لبنان على عشرات السنوات من خلال إعلان التعثّر في 7 آذار عن دفع سندات "اليوروبوندز"، من دون أن يترافق ذلك حتّى الساعة عن إعلان مشروع إصلاحي أو إنقاذي، ومن دون البدء بالتفاوض مع "صندوق النقد"، بما من شأنه أن يعزّز الثقة ويعطي مصداقيّة للبرنامج الإصلاحي".

كما ركّز على أنّه "ينبغي أن يَستتبع ذلك ضَخ أموال وسيولة يحتاج إليها ​الاقتصاد اللبناني​ تدريجًا من "صندوق النقد" مع بدء تطبيق الإصلاحات، ويشجّع جهات أُخرى على ضَخّ سيولة مثل المؤسّسات المتعدّدة الجهات وصناديق ائتمانيّة، ولكن للأسف، حتّى الآن لم تقدم الحكومة على أي خطوة تهدّئ الأوضاع".

وعمّا إذا كانت الاعتداءات الليليّة على المصارف هي فقط نتيجة غضب الشارع أم أنّ هناك مُندسّين وراء هذه التحرّكات الهادفة إلى مزيد من الانهيار؟"، شدّد غبريل على "أنّنا نلاحظ منذ مطلع تشرين الثاني الماضي حملة مُمنهجة ضدّ الجهاز المصرفي لتحميله مسؤوليّة الأزمة، وتحويل الأنظار والمسؤوليّات بعيدًا عمّن أوصَل البلد إلى ما نحن عليه اليوم من أحزاب السلطة وسوء إدارة الشأن العام وانفلاشه وارتفاع كلفته، والتفلّت على الحدود، والتغاضي عن مكافحة التهريب وضبط الحدود وعدم مكافحة التهرّب الضريبي".