صحيحٌ أنّ نادي رؤساء الحكومات السابقين أتى من رحم حكومة ​سعد الحريري​ الأخيرة، وشكّل "داعمة" للأخير تنطق بما لا يستطيع هو أن ينطق به، خصوصاً في إطار المواجهة مع "العهد"، إلا أنّ مشهد اجتماعه لا يزال، حتى اليوم، يثير اهتمام كثيرين، ربما لكمّ التناقضات التي يحملها، في الشكل والمضمون.

لم يعد خافياً على أحد أنّ النادي، الذي يضمّ شخصيّاتٍ لم يجمعها تاريخياً الكثير من الودّ، ولو آثرت قول خلاف ذلك، يُستخدَم اليوم، وبعد انضمام الحريري إلى صفوفه، كـ"واجهة" أساسيّة في سياق المعركة ضدّ حكومة حسّان دياب، تحت عناوين وطنيّة ربما، ولكن قبل ذلك، طائفيّة ومذهبيّة بالدرجة الأولى.

في اجتماعه الأخير، اختار النادي رفع السقف إلى المستوى الأعلى، فاشتكى ممّا وصفها بـ"محاولات لتحويل النظام اللبناني من ديمقراطي برلماني إلى رئاسي"، بل من ضرب صلاحيات رئاسة الحكومة وجعلها مطيّة طائعة صاغرة لأحقاد وأطماع صغيرة لهذا وذاك".

ولكن ماذا يعني ذلك؟ هل نحن أمام "انقلابٍ" يسعى أصحاب لقب "الدولة" السابقون لمواجهته بكلّ عزيمةٍ وقوّة؟ وهل ينجحون في "معركتهم" المستجدّة؟!.

جامعٌ واحد...

قد لا يكون جديداً الحديث عن شعاراتٍ "طائفيّة" خلف بيانات رؤساء الحكومات السابقين، باعتبار أنّ النادي، باعتراف عرّابيه، خُلِق أصلاً انطلاقاً من الهاجس "الطائفي"، المتعلق بصلاحيات رئاسة الحكومة تحديداً، وليس أيّ شيءٍ آخر.

ولعلّ العودة إلى مختلف بيانات رؤساء الحكومات السابقين منذ نشأته، أي ما قبل انضمام الحريري إليه، تكفي للدلالة على هذا "النَّفَس"، إذ إنّه كان "يتداعى" إلى الاجتماع في ظلّ الحكومة السابقة، كلما نشبت "معركة صلاحيّات" بين الحريري ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، يوم كان يلوذ "الشيخ سعد" بالصمت، كرمى لعيون "التسوية الرئاسية" التي أعادته إلى السراي الحكوميّ.

أكثر من ذلك، ثمّة من يعتبر هذا "النَّفَس" الطائفيّ الأساس الذي يستظلّ به النادي وجوده، باعتباره يشكّل "الجامع المشترك" شبه الوحيد بين أطيافه، في ضوء "التناقضات" التي يحملونها في الرؤى والأفكار، فالعلاقة بين الحريري ورئيس الحكومة الأسبق ​نجيب ميقاتي​ مثلاً لم تكن يوماً "نموذجية"، وإذا كان اللبنانيون يتذكّرون شيئاً منها، فهو بالتأكيد ليس ذلك اللقاء البروتوكوليّ "الصامِت" الشهير الذي جمعهما بعد قبول ميقاتي رئاسة الحكومة رغماً عن الحريري، يومها انطلقت "حربٌ" بين الرجلين، شُرّعت فيها كلّ "الأسلحة"،ولا تزال ماثلة في أذهانهما حتى اليوم.

ولعلّ العلاقة بين الحريري ورئيس الحكومة الأسبق ​فؤاد السنيورة​ ليست أفضل حالاً، ولو اجتمع الرجلان تحت راية "​تيار المستقبل​" لسنواتٍ طويلة، بعيد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتكاد "حرب الصلاحيات" الداخلية بينهما تعني الكثير، خصوصاً لجهة عمل الحريري الدؤوب لإطفاء "محرّكات" السنيورة، إن جاز التعبير، وصولاً حتى "إخراجه" من الندوة البرلمانية، وبالتالي "إقصائه" من رئاسة الكتلة "الزرقاء"، بعد الكثير من الأخذ والردّ عن "جناحيْن" داخل التيّار، علماً أنّ ما جرى في صيدا أخيراً، على خلفية دعوة قيل إنّ السنيورة وجّهها لدياب لزيارة المدينة، يشكّل فصلاً آخر من هذه العلاقة "الملتبسة".

أبعد من دياب!

على رغم كلّ ما سبق، فإنّ الواضح أنّ رؤساء الحكومات السابقين قفزوا فوق كلّ خلافاتهم وتناقضاتهم الشخصية، التي سيأتي وقتها لاحقاً ربما، لـ"الانقضاض" على الحكومة الحاليّة التي يعتبرونها "خطراً" يشملهم جميعاً، وهم الذين يفترض أنّهم يتحمّلون أصلاً مسؤولية في "الانهيار" الذي وصلت إليه البلاد، باعتبارهم من تناوبوا على السلطة منذ العام 2005 وحتى اليوم.

ومع أنّ رئيس الحكومة حسّان دياب يشكّل بالنسبة لكثيرين تكراراً لتجربةٍ سبق أن خاضها ميقاتي في مواجهة "الحريرية السياسية"، يوم قَبِل أن يكون رئيساً لحكومةٍ صُنّفت عالمياً بأنّها "حكومة حزب الله"، فإنّ ميقاتي لا يجد حرجاً في التصويب، مع "شركائه" في النادي، على الرجل الذي كان أتى به وزيراً في حكومته، وصولاً حتى تحميل حكومته المسؤولية الكاملة للانهيار، بعيداً عن "معزوفة" العقود الثلاثة التي يصرّ دياب على تكرارها في كلّ مناسبة، عازفاً بذلك على وتر السياسات الاقتصادية التي قامت عليها "الحريرية".

لكن، مع ذلك، يحلو لرؤساء الحكومات السابقين القول إنّ المعركة الحقيقية أبعد من دياب، وهي في مواجهة "العهد" الذي يستخدم دياب "واجهة" له ليس إلا، وفق ما يقولون، وهو ما يفسّر رفعهم السقف في البيان الأخير، منذرين من "انقلابٍ" آتٍ، من خلال ضرب صلاحيّات رئاسة الحكومة، علماً أن كل المؤشرات لا تدلّ على أنّ دياب اقترف حتى اليوم ما اقترفه الحريري نفسه في الحكومة السابقة، وهو الذي يلومه كثيرون أنّه كان يقف في صفّ "التيار الوطني الحر" في كلّ شيء، حتى حين كان يتعلق الأمر بصلاحيات رئاسة الحكومة نفسها، ما أدخله في "ورطة" مع الكثير من الحلفاء والأصدقاء.

وبين هذا وذاك، يبقى "الهاجس" الأكبر لرؤساء الحكومات السابقين من "الكيديّة" التي يقولون إنّها تطبع سياسة الحكومة، بدفعٍ من باسيل شخصياً، وتطالهم بشكلٍ أو بآخر، "كيدية" يُلصِقونها بأيّ خطوة يحاول البعض أن يحسبها للحكومة، تارةً عبر تعييناتٍ ماليّة تحت عنوان "التغيير"، وطوراً عبر الإيحاء بـ"محاسبة" حاكم مصرف لبنان، وغيرها من الخطوات التي "يستنفر" ​رؤساء الحكومات السابقون​ لمنع حصولها، عبر إعطائها رداء "الانتقام"، وصولاً إلى "الانقلاب"، ولو أدّى ذلك إلى وقوعهم في "فخّ" الخطوط الحمراء، التي لا تبني بلداً، والتي سبق أن اعتُمِدت لصالح أحدهم في القضاء، وهو السنيورة.

"ازدواجيّة ووقاحة"؟!

قد لا يكون نادي رؤساء الحكومات السابقين الوحيد الذي يُلام عند الحديث عن العلاقة بين الطائفية والسياسة، إذ إنّ أحزاباً كثيرة، وبينها المحسوبة على "العهد"، سبق أن وضعت "حقوق الطائفة" عنواناً لمعظم معاركها السياسيّة، ولا سيما الشعبويّة منها.

ولكن، أبعد من شعبوية "الصلاحيات والحقوق"، قد يكون ما ورد في بيان رؤساء الحكومات السابقين الأخير، لجهة تحوّل الحكومة إلى "أداة لتصفية الحسابات (...) وإلى متراسٍ تختبئ خلفه كيديات شخصية"، بيت القصيد، ولو ربطوها أيضاً بعدم الاكتراث باتفاق الطائف والدستور وغير ذلك.

هي الخشية إذاً من "الكيديّة"، خشية يشتركون فيها مع سائر الأفرقاء، ممّن يقاربون المحاسبة بـ"ازدواجيّة فاقعة"، "ازدواجية" تختزلها "الوقاحة"، إن جاز التعبير، في رمي كلّ فريق بكرة المسؤولية على قطاعٍ واحدٍ، في وقتٍ حان الوقت ليعترفوا جميعاً بالمسؤوليّة في مكانٍ ما، باعتبار ذلك أساساً لأيّ معالجة، إن وُجِدت الإرادة أصلاً...