منذ نهاية الاسبوع المنصرم، بدأت الأوساط السياسية المحلية تنشغل بالخطوات التي يقوم بها رجل الأعمال ​بهاء الحريري​، لا سيما بعد البيان الثاني الصادر عنه، والذي أكد أن لديه مشروعاً سياسياً يريد من خلاله الدخول إلى الساحة اللبنانية، يتعارض بشكل كلي مع ذلك الذي يحمله رئيس ​الحكومة​ السابق ​سعد الحريري​، نظراً إلى أن الشقيقين يأكلان من الصحن الشعبي نفسه، أي جمهور تيار "المستقبل"، الذي يمر، منذ سنوات، بحالة من الضياع نتيجة الخيارات المتناقضة التي كان قد تبناها زعيمه السياسي.

الأسئلة الأساسية التي تُطرح في هذا الإطار، تتعلق بإمكانية أن يكون الشقيق الأكبر يحظى بغطاء خارجي، إقليمي أو دولي، للدخول إلى الساحة السياسية، لا سيما أن التركيز على هذه الحالة يتم من خلال الإشارة إلى علاقة قوية يمتلكها على هذا الصعيد، وهو ما كان قد ألمح إليه رئيس تيار "التوحيد العربي" الوزير السابق ​وئام وهاب​، لكن الأهم هو قدرته على خلق أرضية شعبية وازنة داعمة له.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحركة الأساسية التي يقوم بهاء الحريري هي على الأطراف، في الشمال والبقاعين الغربي والأوسط، وليس في مدينة ​بيروت​، حيث ينجح في إستقطاب بعض الفئات من جمهور "المستقبل"، في حين أن سعد الحريري لا يزال يحافظ على شعبيته ضمن الفئة الشابة، أي الذين تعرفوا على التيار في المرحلة التي تلت إغتيال رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، على قاعدة أن الابن الأكبر ناجح في أعماله ولديه مشروعاً سياسياً جديداً متناقضاً مع مشروع رئيس الحكومة السابق، الذي أخفق على مدى السنوات الماضية.

وفي حين ترصد بعض الجهات خطاباً متطرفاً متبنى من قبل جمهور بهاء الحريري، لا سيما بالنسبة إلى العلاقة مع "​حزب الله​"، تشير المصادر نفسها إلى أن القوى والشخصيات السنية الأخرى ستكون هي المستفيد مما يقوم به، نظراً إلى أن حركته ستضعف "المستقبل"، لأنّ الخطاب الذي يحمله لا يستهدف جمهور تلك القوى والشخصيات بل جمهور التيار، إلا أنها تلفت إلى أن المعركة الأساس هي في العاصمة بيروت، حيث ينجح من يفوز في معركتها من الشقيقين، الأمر الذي دفع سعد الحريري إلى التحرك سريعاً بعد الظهور العلني الثاني لشقيقه، خصوصاً أنه لا يزال يستفيد من الواقع الخدماتي الذي يعطيه هامشاً واسعاً في التحرك، بينما قام بعض المحسوبين عليه بتعليق صور تجمعه مع النائب ​نهاد المشنوق​، وتوزيع خطابه الشهير من ​دار الفتوى​.

أما بالنسبة إلى موقف بعض الجهات الإقليمية من حركة الابن الأكبر لرفيق الحريري، خصوصاً لناحية حصوله على غطاء أو دعم من المملكة العربية ​السعودية​ أو ​الإمارات العربية المتحدة​، حيث بدأ بالبعض بالترويج إلى أنه ما كان ليقدم على هذه الخطوة لولا تأمين دعم من هذا النوع، تجزم هذه المصادر بأن الرياض و​أبو ظبي​ لا تدعمان فريق على آخر في هذه المعركة بشكل حاسم، بدليل الزيارة التي قام بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى بيت الوسط يوم امس، وبالتالي لا يمكن إعطاء أي موقف واضح قبل معرفة ما يجري على أرض الواقع بشكل فعلي، أي أن ليس هناك ما يمنع تحويل الدعم إلى بهاء الحريري في حال نجح في إستقطاب جمهور "المستقبل"، أما بحال فشله فإن الدعم سيبقى مجيراً لشقيقه سعد، الذي لا يبدو أنه في طور التراجع في هذه المواجهة، خصوصاً أنها تركت تداعيات كبيرة لديه.

في المقابل، هناك قراءة أخرى تعتبر أن مصير هذه الحركة سيكون شبيهاً بتلك التي قام بها بهاء الحريري في العام 2017، أي عندما حاول إستغلال ما حصل مع شقيقه في السعودية، وبالتالي هي تُصر على وصفها بـ"فقاعة الصابون" حتى الآن، خصوصاً أنه لم ينجح في جمع شخصيات وازنة على الساحة السنية حوله، إلا أنها ترى أن هناك في قوى الثامن من آذار، وربما "حزب الله"، من يسعى إلى تكبير حجمها إلى أقصى حد ممكن، في سياق "الزكزكة" على رئيس الحكومة السابق، وتشير إلى أن الأمور من المفترض أن تتظهر أكثر في الأيام المقبلة، لكنها تجزم بأن الحزب لن يفضل التعامل مع شخصية جديدة طالما أنه بات خبيراً في التعامل مع رئيس الحكومة السابق، الذي لا يبدو أنه في طور الصدام معه.

بالتزامن، لدى أصحاب هذه القراءة قناعة بأن خطاب بهاء الحريري السياسي لا يمكن أن يؤمن النجاح في أرضية شعبية، خصوصاً أن هموم جمهور "المستقبل" بات في مكان آخر، بعيداً عن خوض مواجهة سياسية مع "حزب الله"، وبالتالي الهجوم على ​إيران​ لا يطعم خبزاً في المرحلة الراهنة، حيث الهموم الإقتصادية والإجتماعية هي الأساس، وهو ما لم يذهب إلى القيام به بشكل قوي، على الأقل حتى الآن.

في المحصلة، حركة بهاء الحريري أربكت شقيقه بشكل أساسي، إلا أن نجاحها مرتبط بالعديد من العوامل التي لم تظهر حتى الآن، لا بل يمكن القول أن المؤشرات متناقضة في هذا المجال، وهي قد تقود في نهاية المطاف إلى المزيد من الشرذمة على الساحة السنية.