قبل أيام قليلة، كانت كل المؤشرات توحي بنجاح ​لبنان​ في السيطرة على خطر ​فيروس كورونا​ المستجد، الأمر الذي تُرجم في المواقف التي تصدر عن المسؤولين المعنيين، إلا أن حالة الإستهتار التي شهدتها البلاد أعادت عقارب ​الساعة​ إلى الوراء، الأمر الذي حتّم على ​مجلس الوزراء​ إتخاذ القرار بالإقفال التام بدءاً من الساعة السابعة من مساء يوم الأربعاء وحتى الساعة الخامسة من فجر يوم الإثنين، في حين أن البلاد أحوج ما تكون اليوم إلى عودة العجلة الإقتصاديّة إلى الدوران، في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها منذ أشهر.

في هذا السياق، تكشف مصادر معنيّة، عبر "النشرة"، أن المرحلة السابقة من الفحوصات في المناطق كانت إيجابيّة، حيث سُجل عدد بسيط من ​الإصابات​، لكن حالياً من المفترض إعادة هذه المرحلة بعد التطور السلبي الذي سُجل، وتؤكد أنه لا يمكن تقييم المرحلة التي وصل إليها مسار الفيروس قبل إجراء فحوصات جديدة، وبالتالي على المواطنين العودة إلى الإلتزام بالإجراءات والتعليمات الصادرة عن الجهات المعنية، لا سيّما أن إصابة واحدة غير منضبطة من الممكن أن تقود إلى وضع كارثي، وتضيف: "على المواطنين أن يدركوا أن ​القطاع الصحي​ لا يحتمل حالة إنتشار سريعة وكبيرة".

من جانبه، يشير نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة ​الكورونا​ الدكتور محمد حميّة، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الإقفال التام هدفه تحديد نقطة إنطلاق جديدة، وبالتالي إستباق ما هو أخطر في حال إستمرار تصاعد الإصابات، ويلفت إلى أن المطلوب تحديد العدد والمصدر عبر الفحوصات، بينما يؤكد رئيس ​لجنة الصحة النيابية​ ​عاصم عراجي​، في حديث لـ"النشرة"، أن لبنان لم يعد إلى نقطة الصفر، لكن المواطنين لم يلتزموا بما هو واجب عليهم من إجراءات وقائيّة، لا سيما مع بدء مرحلة تخفيف إجراءات التعبئة العامة، بالإضافة إلى أنّ بعض المغتربين لم يلتزموا بالحجر الصحي، بل فتحوا منازلهم لإستقبال الزوار، ويشير إلى أن لبنان لا يزال في مرحلة الإحتواء إلا أنه لا يمكن التعامل مع المرض على أساس أننا "قباضايات".

وفي حين سيكون لبنان، الخميس، مع موعد وصول أولى رحلات المرحلة الثالثة من إجلاء المغتربين، والتي ستستمر حتى 24 الحالي، يرفض حميّة رمي المسؤولية على المغتربين، نظراً إلى أن النتائج التي ظهرت تعود، بحسب الدراسات، إلى الـ10 أيام الماضية، ويرى أن هناك مسؤولية أكبر على حالة الإستهتار التي حصلت على مستوى المجتمع المحلّي، لا سيما بعد بدء مراحل رفع حالة التعبئة العامة، ويرى أن ما قامت به ​الحكومة​ يمكن وصفه بـ"المناورة الإيجابية"، التي أثبتت عدم القدرة بالرهان على الوعي المجتمعي، ويدعو إلى إقرار قانون يُجرّم المُصاب الذي لا يلتزم بالحجر الصحي، لأنّ هذا الأمر يمسّ ب​الأمن​ القومي للبلاد، خصوصاً أن المرحلة الثالثة من عودة المغتربين من المتوقع أن ترفع عدد الإصابات، لكن الخطر الأكبر يبقى في تلك التي تسجل محلياً.

بدوره، يرى عراجي ضرورة العودة إلى الإجراءات الوقائيّة وحملات التوعية، ويشير إلى أن المطلوب من المواطنين بسيط: وضع الكمامات والإلتزام بالتباعد الإجتماعي والإبتعاد عن التجمعات العامة، ويؤكد أنه لا يمكن الإستمرار في حالة الإقفال فترة طويلة في بلد مفلس إلا أنه في المقابل لا يمكن العودة إلى ​الحياة​ الطبيعية في ظل حالة الإستهتار القائمة، نظراً إلى أنّ الأمن الصحّي هو الأولويّة، ويقترح عدم الإكتفاء بتجريم غير الملتزم بالحجر، بل يدعو إلى فرض غرامات على من لا يلتزم من المواطنين وأصحاب المصالح، لأنّ الموضوع ليس "مزحة".

في الماضي، كان يتوقع حمية، نتيجة الدراسات التي قام بها، الوصول إلى نتيجة صفر إصابة في 20 حزيران، لكنه يشير إلى أن ذلك كان بشرط الإستمرار في حالة الإنضباط وعدم دخول أي عامل خارجي، أما اليوم فالأمر مختلف حيث يتوقع، بحال العودة إلى الإلتزام بهذه الشروط، أن يكون الموعد نهاية شهر تموز، ويعتبر أن المواطنين من المفترض أن يكونوا قد تعلّموا من التجربة.

وفي حين قال عراجي أن الجهات المعنية حذرت المواطنين آلاف المرات من خطر تفشي كورونا، يوضح أن التجهيزات اليوم أفضل مما كانت عليه، لكن على اللبنانيين أن يدركوا أنه، على سبيل المثال، هناك 1300 جهاز تنفس، لا يمكن إستخدام أكثر من نصفهم للمصابين بالكورونا في حال إنتشار الفيروس بشكل سريع، وبالتالي يمكن إستيعاب عدد كبير من الإصابات لمدة شهر واحد، وبعد ذلك سينهار القطاع الطبي، حيث أنّ الأعباء ستكون في هذه الحالة كبيرة جداً، ويضيف: "لو كان الأمر يقتصر على المستهتر فهو حرّ بنفسه، لكن الأمر مختلف حيث أنّ أيّ إصابة من الممكن أن تهدّد ​السلامة العامة​".

في المحصّلة، العودة إلى الوراء هي ثمن الإستهتار بالفيروس الذي يهدّد ​العالم​ بأسره في الأيام الماضية، في حين أن لبنان لم يخرج من دائرة الخطر المحدق، بدليل ما يمكن أن تؤدي إليه إصابة واحدة غير منضبطة، وبالتالي على الموطنين الحذر والخوف من إستمرار الواقع على ما هو عليه الآن، لأنّ الإنزلاق نحو المجهول ممكن، ولا يمكن تفاديه إلا بالعودة إلى حالة الإلتزام التي كانت قائمة.