الموضوع: إقفال تام من مساء الأربعاء حتى فجر الإثنين، مع إستثناءات طفيفة. الهدف: السيطرة على إصابات وباء ​كورونا​ التي عادت إلى الإرتفاع من جديد. النتيجة: غير مَضمونة مع إحتمال تمديد الإقفال مرّة أخرى! وبالتالي السؤال الذي يفرض نفسه: هل بهذه الطريقة نُعالج مُشكلة تفشّي الوباء في ​لبنان​؟.

في بداية وُصول الوباء إلى لبنان، كان الأمر مَقبولاً من جانب أغلبيّة واسعة من اللبنانيّين رحّبت بكل الإجراءات القاسية المُتخذة، وإلتزمت إلى حدّ كبير بها، لكن اليوم الأمر مُختلف! فبعد أن كّنّا على باب قوسين من السيطرة كليّا على كورونا-لبنان، بسبب سرعة تحرّك السُلطات المَعنيّة وحسن إدارتها للأزمة، عُدنا سريعًا إلى ما تحت نقطة الصفر، بسبب قلّة قليلة من اللبنانيّين! ولوّ كّنا في وضع مَعيشي طبيعي، لكان من المُمكن رُبّما أن نغضّ الطرف عمّا يحصل، لكن شاء القدر أن يكون لبنان في أسوأ أيّامه إقتصاديًا وماليًا، عندما إنتشر وباء كورونا في ​العالم​ أجمع، ما جعل مُصيبتنا كلبنانيّين مُضاعفة، مُقارنة بتلك التي تُواجِهُها شُعوب العالم أجمع.

ومع كل إغلاق جديد للبلاد، وتوقّف كلّي لما تبقّى من أعمال تسير بشكل جزئي وعليل، يغرق اللبنانيّون أكثر فأكثر تحت خطّ الفقر! صحيح أنّ على ​الدولة​ ضبط تفشّي وباء كورونا في لبنان، وهي معنيّة بإيجاد أفضل السُبل ل​تحقيق​ هذا الهدف، لكنّ الأصحّ أنّ على الدولة أيضًا توجيه بُوصلتها نحو قلّة قليلة من الناس تُخالف قرارات التعبئة، ولا تلتزم بإجراءات العزل والتباعد الإجتماعي، ولا تتقيّد بتدابير الحجر الإلزامي عند العودة من السفر أو عند مُخالطة ​حالات​ مَشبوه بإصابتها بالوباء. وبالتالي، إنّ الإستمراربمُعاقبة مُجتمع بكامله، عن طريق فرض الحجر الإلزامي عليه، بسبب قلّة قليلة من المُستهترين وحتى من عديمي الأخلاق، هو أمر غير مقبول إطلاقًا.

نعم، الدولة مُلزمة على إعادة اللبنانيّين من الخارج، لأنّ من حقّ هؤلاء أن يعودوا إلى وطنهم، فبعضهم فقد عمله وبالتالي راتبه، وبعضهم الآخر توقّفت دراسته، وجزء ثالث كان في زيارة أو في رحلة سياحيّة لفترة زمنيّة قصيرة لأسبوع أو لأسبوعين وتقطّعت به السُبل في الخارج من دون أموال، إلخ. لكن على الدولة أيضًا عدم حصر إجراءاتها المُمتازة ببقعة ​مطار بيروت​، وعدم الإكتفاء بالقيام ببضع إتصالات هاتفيّة بالعائدين. صحيح أنّ الجهد المَطلوب لمُتابعة حالات العائدين عن قُرب، يتطلّب قُدرات لوجستيّة ضخمة، لكن على كل البلديّات المُساعدة، كلّ في نطاقها، من خلال التشدّد في مُتابعة الأشخاص المَعزولين بشكل دَوريّ وجدّي، والأمر نفسه ينطبق على كل النوادي والجمعيّات الأهليّة في كل بلدة أو قرية.

وبالتالي، الدولة مُلزمة بالتشدّدبمُتابعة المُصابين بوباء كورونا (من دون عوارض أو مع عوارض خفيفة) المَحجورين في منازلهم، وبمتابعة الأشخاص العائدين من الخارج أو المُخالطين لحالات مُصابة والمَعزولين بدورهم عن الناس، لجهة تأمين إيصال كل ما يطلبونه إلى أماكن وُجودهم، بالتنسيق مع ​البلديات​ والهيئات المحليّة. ويجب إنزال أشدّ العُقوبات بكل من يتجرّأ على مُخالفة إجراءات الحجر أو العزل، خاصة أولئك الذين يفتقرون إلى الأخلاق الذين أعطوا السُلطات أرقام هاتف غير صحيحة، وعناوين تواجد مُزوّرة لمكان الحجر المُفترض.

نعم، يجب مُعاقبة كل المُستهترين بصحّة المُجتمع اللبناني، وغير الآبهين بسُقوط لبنان في هاوية كورونا، لجهة ​العجز​ عن توفير الطبابة المناسبة للمُصابين، في حال تسارع وتيرة تكاثر هؤلاء وإرتفاع أعدادهم بشكل كبير–كما حصل في ​إيطاليا​ و​إسبانيا​ على سبيل المثال لا الحصر. لكن في الوقت عينه، يجب عدم خنق المُلتزمين بإجراءات التعبئة العامة،والذين لم يعد بمقدورهم البقاء في منازلهم، بعيدًا عمّا تبقّى من أعمال ووظائف جزئيّة، وما تبقى من فُتات رواتب! فالدولة في لبنان غير قادرة على تقديم مُساعدات مالية للناس المَحجورة في منازلها، كما حصل ويحصل في الكثير من الدول الغربيّة المُتقدّمة. والناس في لبنان كانت إستهلكت إحتياطها المالي نتيجة ​الأزمة​ الإقتصاديّة التي ضربت لبنان خلال الأشهر الماضية، في الوقت الذي تزداد فيه صُعوبة عمليّات سحب القليل من الأموال–إن وُجدت، بسبب إقفال ​المصارف​ بشكل مُستمرّ.

ويُمكن عند تصفّح أي موقع من ​مواقع التواصل الإجتماعي​ تلمّس حجم الغضب الذي يُعاني منه المُلتزمون بإجراءات الحجر، والذين بقوا في المنازل من دون أي عمل لمدّة شهرين، في الوقت الذي كانت فيه قلّة من الناس تُمارس حياة شبه طبيعيّة، غير آبهة بمسؤوليّتها إزاء نفسها وأهلها ومُجتمعها ككلّ. وغضب المُلتزمين كبير جدًا، إزاء بعض المُستهترين الذين أعادوا الأمور إلى نقطة الصفر، بسبب عدم تقيّدهم بتعليمات الحجر، وهم خالطوا العديد من الأشخاص، من دون أي إجراءات حماية، الأمر الذي تسبّب بإعادة تفشّي الوباء بشكل واسع في لبنان.

بإختصار، إنّ تدابير الإغلاق المُتكرّر للبلاد لن تقضيعلى كورونا، لأنّ بضعة مُتفلّتين بلا أخلاق قادرين على نشر العدوى مُجدّدًا، حتى لو إلتزم مئات الآلاف في منازلهم. وهذا تمامًا ما حصل في لبنان خلال الشهر الحالي، حيث كدنا نصل إلى صفر إصابات، قبل أن تنهار الأمور من جديد بسبب إستهتار البعض. وبالتالي، لا تخنقوا الناس المُلتزمة بالتدابير، والقابعة في منازلها بدون عمل، وبدون أموال، بل عاقبوا المُستهترين، وإفرضوا عليهم بالقُوّة إجراءات العزل.