يمرّ ​لبنان​ في أصعب مرحلة في تاريخه فالأوضاع الإقتصادية المترديّة وارتفاع ​سعر الدولار​ إنعكست على جميع القطاعات وخصوصاً الغذائية والزراعية... وجاءت أزمة ​كورونا​ لتزيد الأمر سوءا فبات من الصعب الاستيراد، والحلّ الوحيد اليوم هو تشجيع ​الزراعة​، ولكن الأهمّ وحتى تنهض ​الدولة​ يجب وضع استراتيجيات على المدى الطويل للأمن الغذائي، فماذا يعني ذلك؟!.

"المشكلة باعتيادنا أننا كمجتمع مستهلك والانتاجية خفيفة وخصوصا لناحية المواد الغذائية، والعولمة عوّدتنا أن نصبح كذلك بكثافة فأكثر، حيث 80% من غذائنا مستورد".هذا ما يؤكده الاستاذ المحاضر في كلية الهندسة في جامعة الروح القدس-الكسليك إميليو مونّس، لافتاً عبر "النشرة" الى أن "المسألة الأولى التي يجب أن نقوم بها هي الإنتقال من الاستهلاك الى الإنتاج"، مشددا على أن "​الأمن​ الغذائي يتركّز على المواد الموجودة في البلد والقدرة الإستهلاكيّة للمواطنين، المواد حاليا متوفرة ولكن المشكلة هي في القدرة الاستهلاكيّة".

بدورها الخبيرة بالزراعة رولى فارس تشدد على أن "الأمن الغذائي هوفي الحبوب، وأغلب الناس لا يلجأون الى زراعة هذه الأنواع بل يقومون بزراعة الخضار وغيرها وهذه ربما تكفي فترة الصيف، ولكن ماذا عن ​الشتاء​"؟.

تؤكد فارس على "ضرورة وضع استراتيجية للأمن الغذائي وللزراعة في آن، ولكن حتّى اليوم كل الاتكال هو على مبادرات فردية، والاتجاه الابرز هو للخضار و​الفواكه​ في مساحات ليست واسعة، في حين أنّه يجب أن يكون هناك استراتيجية واضحة تعتمد أولا على ماذا نستورد وماذا نزرع؟! في المقابل على الدولة أن تقوم بدعم ​المزارعين​ أو عبر ايجاد اسواق لتصريف انتاجهم". في حين أن الدكتور مونّس يشدد على أنه "يجب التركيز على مساحات كبيرة لم نستفد منها في لبنان ولكن يجب أن نعرف ماذا نزرع فيها، حيث من المستحيل التفكير بزراعة ​القمح​ لحاجته الى مساحات شاسعة جدا والى مياه للريّ، في المقابل يجب أن نحفّز المزارع والأشخاص على زراعة المواد التي لا ضرورة لاستيرادها".

"الأهمّ من هذا كلّه وجب أن يعاد النظر بالروزنامة الزراعيّة وأن تقوم الدولة بتأخير الإستهلاك من الخارج". هذا ما يراه الدكتور مونس، مشيرا مثلا الى أن "​البطاطا​ المصريّة تُستهلك في ​الأسواق اللبنانية​، في حين أن تلك التي تزرع في لبنان لا تُباع بسهولة، وهنا على الدولة أن تؤخر دخول المصريّة الى الاسواق اللبنانية لحين بيع المنتجات المحليّة".

بدوره رئيس مجلس إدارة الهيئة اللبنانية ل​سلامة الغذاء​ الدكتور المهندس ايلي عوّض يرى أن "للبلديات دورها الذي يمكن أن تقوم به عبر استثمار الاراضي التي تملكها، ولكن هذا الامر يتمّ الاتكال فيه على الارشاد الزراعي أولا من ثم اليد العاملة، وهنا مثلا يمكن تحويل عمّال بلدية يعملون بالورش وتعطّلت أعمالهم الى الامور الزراعية وتعليمهم هذه المهنة".

يرى ايلي عوض أن "أسعار الخضار و​الفاكهة​ بلغت أربعة أضعاف سعرها الطبيعي، وفي الواقع ​الاسعار​ لدى المزارع لم ترتفع أكثر من 10% نظرا لارتفاع اسعار المواد"، مضيفا: "لكن الطريق من المزارع الى أسواق الخضار فالمستهلك ترتفع الاسعار بشكل جنوني، وكأنّ المزارع هو المتسبب بهذا الفلتان وهذا غير صحيح"، معتبرا أن "هناك دور لوزارتي الزراعة و​الاقتصاد​ لضبط الامر". في حين أن الدكتور مونّس يشدد على أن "التعاونيّات أمر مهم، وحتى اليوم نحن نزرع لنتنافس بين بعضنا، في حين أنه يجب أن نزرع لنتعاون ونتكامل وهكذا ننجح".

بظلّ الوضع القائم وبظل غياب الدولة سيبقى الفلتان قائماً وستبقى المبادرات الفردية دون ذات نتيجة تذكر، ولن تحلّ المشكلة التي ستتفاقم مع الوقت!.