تصاعد التهويل واشتدت الحرب النفسية التي تشنها ​أميركا​ على سورية وحلفائها والمتعاملين معها في المجال الاقتصادي والمالي تهويل وضغوط من باب تطبيق "قانون قيصر" الأميركي الكيدي الإجرامي الذي يستهدف خنق ​الاقتصاد السوري​ وتجويع ​الشعب السوري​ عبر عزل سورية عن ​العالم​ اقتصاديا ومنع التعامل معها على أي صعيد مالي واستثماري، بقصد دفعها إلى موقع تتخلى فيه عن انتصاراتها في الحرب الكونية التي استهدفتها خلال 10 سنوات ولا تزال، ثم القبول بشروط الاستسلام الأميركي التي طالما رفضتها منذ العام 1973 وحتى اليوم.

بيد ان القانون الذي أقره ​الكونغرس الأميركي​ مستندا إلى أسباب موجبة لفقها تحت عنوان " محاسبة ​النظام السوري​ لانتهاكه حقوق المدنيين السوريين وسلامتهم “يشكل (أي القانون) أكبر طعنة لهذه الحقوق في ابسط أشكالها من حيث الغذاء و​الدواء​ ومتطلبات العيش الأولي الضروري، ولا يغير من طبيعته ومفاعيله الإجرامية وتصنيفه كجريمة ضد الإنسانية، ادعاء أميركا انه لن يمس بمصالح المدنيين فأميركا احترفت النفاق والتزوير وتستسهل الكذب والخداع فتقتل الأنسان مدعية أنها تفدم له مساعدة للحياة.

فأميركا التي تتشدق بحقوق الأنسان و تنشن الحروب زاعمة السعي لحمايتها تحترف و بكل وقاحة انتهاك حقوق الأنسان أينما كان ،فال​سياسة​ لدى أميركا هي سياسة جمع المال و تراكم الثروات لطبقة من الرأسماليين على حساب الأنسان أينما وجد و لنا في ما يحصل اليوم في مدن أميركا و شوارعها من اضطرابات و مواجهات سببها ​العنصرية​ و انتهاك حقوق الأنسان خير مثال على ما نقول ، حيث ان ​الحكومة الأميركية​ تتصرف خلافا لما تتشدق به حول حقوق الأنسان إلى الحد الذي يجعلنا نعتقد و نؤمن بان مقولة "حماية حقوق الأنسان " هي سلعة أميركية معدة للتصدير و للاستهلاك الخارجي فقط و ليس للتطبيق والاستعمال الداخلي" .

ان أميركا وتحت عنوان "حماية حقوق الأنسان السوري"، سنت قانونا لتقتل هذا الأنسان ولتشن عليه حربا تؤدي إلى القتل الممنهج عبر قرارات تتخذها هيئاتها الدستورية وتفرضها على العالم في تجاوز واضح لسيادة الدول واستقلالها. ونحن نفهم ان تتخذ أميركا تدبيرا تلزم به نفسها ضد دولة ما، وهذا حق سيادي لها أما ان تفرض تدبيرا هي قررته، وتلزم به دولا أخرى فهو امر في منتهى العدوان والانتهاك للسيادة الوطنية لأي دولة اجنبيه تكرهها أميركا على تطبيق قراراتها العدوانية.

فالجريمة الأميركية من باب "قانون قيصر" ومشتقاته وأمثاله من التدابير الكيدية التي تسميها أميركا "​عقوبات​" خلافا لمدلول الكلمة الاصطلاحي قانونا هي جريمة ضد الإنسانية يرتكبها من ليس له الصلاحية بالقيام بها. لان العقوبة هي ما تقرره وتفرضه جهة مخولة شرعا وقانونا بحق طرف وضع تحت سلطتها وكان لها حياله صلاحية العقاب. وأميركا ليست ولي امر سورية وليست مخولة من أي جهة دولية بان تكون شرطي العالم بل أنها جعلت لنفسها هذه الصلاحية افتئاتا على القانون والشرعية الدولية وأحكام وقواعد القانون الدولي العالم. وتكون الجريمة الأميركية من باب هذا القانون مركبة من جرائم عدة أولها التصدي لأمر ليس من صلاحيتها، ثانيها عدوان على شعب لم يمارس هو وحكومته أي سلوك عدائي ضدها وثالثها انتهاك لسيادة الدول التي تكرهها أميركا على التقيد بقانونها. وهنا يطرح السؤال كيف نواجه القرار حتى نعطل مفاعيله ثم هل من طريق لمحاسبة أميركا على جريمتها المتمثلة بهذا القانون وسواه من الجرائم المشابهة؟

نطرح هذا مع علمنا بان أميركا تتصرف على أساس أنها فوق القانون وان ليس من سلطة في العالم قادرة على محاسبتها وهي في الوقت الذي تطالب بملاحقة الدول أمام ​القضاء​ الدولي لا تقبل بان تلاحق كدولة او يلاحق أفرادها لدى هذا القضاء الذي لم توقع على اتفاقيات إنشائه، أما عن المواجهة فأنها برأينا تكون بمنع ​تحقيق​ القرار لأهدافه التي هي في الحد الأدنى:

1) إطالة أمد الصراع في سورية ومنعها من تحرير ما تبقى من أرضها في يد ​الإرهاب​ او تحت الاحتلال التركي او الأميركي وترى ان الخنق الاقتصادي يعطل العمل العسكري ويمنع الحسم.

2) حمل الشعب السوري على العودة إلى الشارع والانفضاض من حول قيادته تحت وطأة الجوع والمطالبة او الاستجابة للمطالب الأميركي بأسقاط النظام.

3) منع حلفاء سورية من مساعدتها ومنع تمتين أواصر العلاقات البينية معها وبشكل أدق منعهم من الانتظام في دورة إعادة ​البناء​ التي تعمق الحلف او الأحلاف الاستراتيجية بين سورية وأصدقائها.

4) عرقلة عودة سورية إلى الانتظام في المنظومة الدولية كدولة قوية مؤثرة متمسكة باستقلالها وسيادتها، رافضة لأي تبعية او تنازل عن حقوقها وحقوق الأمة خاصة في ​فلسطين​.

هذه هي الأهداف المباشرة التي ترمي أميركا إلى تحقيقها من خلال تطبيق قانون قيصر وأمثاله مما سبق او قد يلحق من تدابير كيدية تتخذها بحقها وتباهي بها وبكل وقاحة وفجور مؤكدة أنها تؤلم سورية كما سمعنا جيفري المبعوث الأميركي إلى سورية والمنطقة الذي باهى وبكل صلف "ان تدابير أميركا تسببت بانهيار ​الليرة السورية​ " ... (ما تسبب بضائقة اقتصادية مست المواطن السوري بلقمة عيشه ودواء دائه).

وعليه فان مواجهة هذا التدابير يجب ان تتركز قبل كل شيء على منعها من تحقيق أهدافها عبر سلة من التدابير التي تفهم أميركا بان خطتها الإجرامية لن تنجح، ولن تحقق رغباتها في استسلام سورية، فسورية التي عانت ما عانت وضحت ما ضحت خلال حرب الدفاع عن نفسها وحققت الانتصار الاستراتيجي التاريخي في إفشال العدوان عليها من المستحيل ان تضيع ما قدمت وضحت به وتسلم لأميركا بما تريد بمجرد أنها مارست التضييق الاقتصادي عليها. وان في الرد السوري الأولي على القانون هذا برفض الإذعان للشروط والإملاءات الأميركية ما يؤكد ان سورية اتخذت قرارها بالمواجهة الدفاعية ويبقى وضع استراتيجية الدفاع الاقتصادي ومطالبة كل من يعنيه الأمر في الداخل السوري والخارج بالقيام بدوره في هذا الدفاع. دفاع يكون ​مركبا​ من تدابير عسكرية وإعلامية واقتصادية وسواها التي تقدر سورية وحلفاؤها نجاعتها خاصة في مجال:

أ‌. العمل العسكري: حيث سيكون من المفيد العودة إلى الميدان سريعا واستغلال الظرف الدولي والأميركي القائم والانشغال التركي الحالي واستئناف معركة تحرير إدلب التي اتخذ قرار تحريرها بشكل لا عودة عنه. وسيكون هذا الأمر محرجا لأميركا عندما يتم إنجاز التحرير لأنها ستجد نفسها وحيدة في احتلال شمال شرقي ​الفرات​ وستجد إمكان انطلاق ​المقاومة​ لمنع إنضاج الحالة الانفصالية امرأ في متناول يد الشعب و​الدولة السورية​ وعندها ستوقن ان لا طائل من قيصر وقانونه لان الدولة السورية تعمل لاجتثاث أسس المشروع الأميركي في سورية.

ب‌. العمل الشعبي والإعلامي والحرب النفسية إذ بعد ان اثبت الشعب مناعته في مواجهة الضغوط الأجنبية وقدرته على التحمل، فان تحصين هذه المناعة والقدرة سيكون مطلوبا من اجل تمتين علاقة الشعب بقائده وحكومته وأفهام أميركا ان الجوع لن يخرج الشعب عن مبادئه. طبعا ويجب ان يترافق ذلك مع اقصى ما يمكن من تدابير من اجل تخفيف الضغط الاقتصادي على الشعب وهنا ننوه بما شهدته ​السويداء​ مؤخرا من ​تظاهرات​ شعبية تؤكد رفض العدوان الأميركي وتتمسك بالدولة المركزية وقيادتها.

ت‌. أما الدور المعول عليه وبشكل أساسي فهو دور الحلفاء خاصة ​إيران​ و​روسيا​ و​الصين​ وهم جمعا او فرادى قادرون على تحدي أميركا في قانونها وقادرون على كسر أرادتها ولنا في عملية ناقلات ​النفط​ الإيراني الخمس إلى ​فنزويلا​ خير مثال. ان بضع مليارات من الدولات مع عمل شركات هذه الدول داخل سورية كافية لتعطيل مفاعيل قانون قيصر.

ث‌. وأخيرا يكون مفيدا جدا الذهاب إلى السوق المشرقية والتكامل الاقتصادي بين الدول التي تحيط بسورية ​لبنان​ و​العراق​ إيران ما يعطل مفاعيل انهيار العملة في هذه الدول ويشجع الإنتاج والتبادل البيني للسلع دون الخضوع لسلطان الدولار.

ان سورية ومعها وحلفاؤها خاصة إيران وروسيا والصين قادرون مجددا على أفشال أميركا في جريمتها ​الجديدة​، وقادرون على إفهامها ان قانونها يسري عليها هي ولا يتجاوزها للغير وان قرارها ليس قدرا ومن انتصر على أميركا في الميدان وفي مواجهة الإرهاب وفي الحرب النفسية والسياسية قادر أيضا على إضافة انتصار جديد في المجال الاقتصادي. فأميركا اليوم تتراجع وتنهشها الاضطرابات والارتباكات وغير مؤهلة لتحقيق نصر مهما كانت طبيعته.