لا شك ان المشاهد التي انتشرت عبر ​وسائل الاعلام​ لاحداث الشغب و​العنف​ التي لحقت في ​بيروت​ وبعض المناطق ال​لبنان​ية تحت ذريعة "الغضب والترويح عن النفس"، تركت اثراً اليماً في نفوس اللبنانيين المعنيين بتحسين البلد والتمسك بالعيش فيه وببارقة امل تسمح لهم بالبقاء على ايمانهم برؤية لبنان وفق الصورة التي يحلمون بها. وبقيت هذه المشاهد مستمرة للاسف، على الرغم من عمل ​الجيش​ و​القوى الامنية​ على منع اعمال الشغب وتدمير الاملاك العامة، قدر الامكان، ووفق الامكانات والقدرات المتوفرة. وفي خضم كل ذلك، ووسط المعمعة الاقتصادية والمعيشية والصحية التي يعيشها لبنان، اصرّ بعض السياسيين والمسؤولين غير الرسميين، على استفزاز اللبنانيين بكل ما للكلمة من معنى، عبر اطلاقهم مواقف اقل ما يقال عنها انها "تنظيرية" ولا تصلح سوى لشعارات ولتوسّل نيل بعض الاستحسان الشعبي الرخيص. تُرى، أنسي هؤلاء انهم هم انفسهم كانوا في جنّة المسؤولية والحكم وانهم على مرّ السنوات والعقود كانوا السبب الرئيسي، ولا يزالون، في تأجيج الشارع كلما احسّوا بالخطر السياسي المحدق بهم وبمصالحهم؟.

يمكن ان يقال عن اعضاء ​الحكومة​ الحالية كل شيء، ويمكن تعداد اخطاء كثيرة وكبيرة قاموا بها في التعاطي مع مسائل عديدة، ولكن لا يمكن لاحد ان يصدّق انهم قادرون على تأجيج الشارع عبر حثّ اتباعهم بطريقة سرّية على افتعال المشاكل واللجوء الى الشغب واعمال العنف، ليس لانّهم لا يريدون ربّما، بل لانهم لا يملكون الحيثيّة الشعبيّة و"الزعامة" التي تخوّلهم القيام بذلك. وعليه، تتجه الانظار الى هؤلاء المنظّرين انفسهم الذين يملكون هذه الميزة، فإذا كان الاتهام لاي حزب من اي ​طائفة​ ومذهب انتمى، يدرك الجميع ان مسؤولي هذه الاحزاب لم يتغيّروا وان نهجهم بالتالي بقي نفسه ولم يطرأ عليه اي تعديل، وان بمقدورهم ساعة يشاؤون، وقف هذه الاعمال والتحركات العبثّية، التي لا تسهم سوى في تعميق الجراح وزيادة الالم للجميع، وليس لشريحة من اللبنانيين دون اخرى.

لم يعد من المسموح اليوم لهؤلاء "المنظّرين" ان يحاولوا خداع اللبنانيين واظهار انفسهم انهم يعيشون في كوكب آخر، وانهم تفاجأوا بما آلت اليه الاوضاع في البلد وبممارسات بعض الغوغائيين والعبثيين، ولا يمكن اقناع المواطنين بأن هؤلاء الاشخاص هم خشبة الخلاص لانّ هذه الخشبة باتت مهترئة وتمّ تجربتها مراراً وتكراراً واثبتت فشلها الذريع في انقاذ لبنان. من منهم لم يركب قطار التسويات والتحالفات الموقّتة التي تخدم مصالحه، وكان سعيداً بها وطمأن من خلالها مناصريه ومؤيّديه واوهمهم بأننا نسير على الطريق الصحيح؟ ما الذي تغيّر في المسار اللبناني حتى "استفاق" هؤلاء فجأة من سباتهم الاصلاحي العميق؟.

ليست الحكومة مثاليّة، ولا الوزراء فيها من "القدّيسين" المنزّهين، ولكن لا يمكن اتهامهم بأنهم سبب الاحداث التي حصلت في الشارع، فإذا كان السبب تقصيراً في التعامل مع المشاكل، فالردّ لا يكون عبر اعمال العنف والتخريب، بل بكشف هذه الاخطاء واثبات عدم فاعلية الحكومة، والاتفاق بين الاحزاب (التي تملك الاغلبية الساحقة في ​مجلس النواب​) على ارساء قوانين وتشريعات جديدة، واولها ​قانون الانتخاب​، لوضع لبنان على السكة الصحيحة. واذا كانت ارادة "المنظّرين" حقيقيّة، فسيحظون بالتقدير والاحترام حتى ولو فشلوا في محاولتهم اعادة ​القطار​ الى سكّة الاسس الصحيحة، فيكونوا على الاقل حاولوا بصدق القيام بشيء فاعل بدل اطلاق المواقف والكلمات التي لا تقدّم، بل تؤخّر حتماً.

ليعمل هؤلاء "المنظّرون" اولاً على ايقاف "زعرانهم" وهم بكل تأكيد من كل ​الطوائف​ والمذاهب، وليكفّوا عن ترداد النصوص التي سئِم الجميع من الاستماع اليها في كل مناسبة وحدث. ومع التسليم بأنه لا يمكن المساس بهم لاسباب طائفية ومذهبية فقط لا غير، فليعملوا على تغيير نهجهم واستراتيجيتهم وليظهروا للناس انهم قادرون على الانتقال الى ​سياسة​ شفافة وفاعلة.