على وقع التطورات المحلية والإقليمية، كان الكثيرون في ​لبنان​ و​العالم​ ينتظرون خطاب أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصر الله​، لا سيما مع ارتفاع وتيرة الضغوط الأميركية التي من المتوقع أن تتصاعد أكثر في المرحلة المقبلة مع دخول قانون "قيصر" حيز التنفيذ، الذي كان بمثابة الإعلان رقم واحد لمعركة المواجهة الاقتصادية المفتوحة مع ​الولايات المتحدة​.

في هذا السياق، كان من الواضح أن السيد نصر الله أراد في هذا الخطاب أن يلقي الحجة على الجانب الأميركي، عبر التشديد على أن الحزب يريد التهدئة على الساحة المحلية، عبر توجيه رسالة طمأنة إلى رئيس الحكومة ​حسان دياب​، الذي سأل أكثر من مرة، في الأيام الماضية، بعد التحركات الشعبية الأخيرة وما رافقها من تحليلات عما إذا كانت حكومته مستهدفة، بالتزامن مع أخرى إلى مختلف القوى السياسية عنوانها رفض الفتنة والرغبة في الهدوء وإزالة أسباب الاحتقان، مؤكداً أن الحزب يرفض الاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة والتعرض للرموز السياسية والدينية.

في المقابل، لم يتردد أمين عام "حزب الله" في رفع سقف المواجهة مع الولايات المتحدة إلى الحدود القصوى، رافضاً معادلة الجوع أو ​السلاح​ لا بل ملمحاً إلى معادلة خاصة لم يكشف عنها، عنوانها: "لن نجوع ولن نترك السلاح ونحن من سيقتلك"، وذهب إلى ترديد العبارة الأخيرة 3 مرات متتالية للتأكيد عليها، والتشديد على أن الحزب لا "يمزح" في هذا المجال، فاتحاً الباب أمام مجموعة واسعة من السيناريوهات على هذا الصعيد، أبرزها أن أمن إسرائيل قد يكون هو المقابل في هذه المعركة التي يراد من خلالها تجويع اللبنانيين وإذلالهم، بحسب ما أكد، نظراً إلى أن الهدف الأميركي هو خدمة المصالح الإسرائيلية.

قبل الدخول إلى هذه المعادلة الحاسمة، التي من المؤكد أنها ستكون موضع متابعة حثيثة في ​واشنطن​ و​تل أبيب​ في المرحلة المقبلة، عمد السيد نصر الله إلى الإشارة إلى أن الجانب الأميركي هو المسؤول عن أزمة ارتفاع سعر صرف ​الدولار​ مقابل ​الليرة​ التي يعاني منها جميع اللبنانيين، عبر منع إدخال الدولار إلى لبنان ومنع ​مصرف لبنان​ من ضخه حسب حاجة السوق، نافياً المعلومات عن أن الحزب هو من يجمع الدولارات من السوق بهدف نقلها إلى ​سوريا​ أو ​إيران​، عبر التشدد على أن الحزب يأتي بها إلى لبنان لا العكس، متحدثاً عن إخراج 20 مليار دولار من البلاد في إطار هذه المعركة، ما بين شهر أيلول من العام 2019 وشهر شباط من العام الحالي.

بالتزامن، لم يكتف السيد نصر الله في توصيف المشكلة، من وجهة نظر "حزب الله"، بل فتح الباب أمام الخيارات البديلة في هذه المواجهة الاقتصادية، عبر الدعوة إلى البحث عن كيفية خفض الطلب أو الحاجة إلى الدولار، مقترحاً السعي إلى شراء ما يحتاجه لبنان من الدول الصديقة بالعملة الوطنية، ضارباً مثالاً على ذلك المشتقات النفطية و​الجمهورية​ الإسلامية في إيران، لكن ملمحاً إلى أن الصعوبة تكمن في الموقف اللبناني، وكاشفاً عن أن الشركات الصينية جاهزة للاستثمار في أكثر من قطاع حيوي، كالنقل والكهرباء، في تجديد لدعوة التوجه شرقاً وعدم انتظار الأميركيين.

أمام هذا الخطاب، هناك مجموعة من النقاط التي ينبغي التوقف عندها، نظراً إلى أنها ستكون حاضرة بقوة في الأيام المقبلة، أبرزها موقف باقي القوى السياسية المحلية من هذا الخطاب، نظراً إلى الانقسام السياسي المعروف على المستوى المحلي، والذي لا يمكن تجاهله بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أنه قد ينعكس على تفاعل الحكومة المدعومة من قوى الأكثرية النيابية معه، مع العلم أن هذه الحكومة كانت قد تعاملت بفتور مع دعوة أمين عام "حزب الله" إلى التنسيق مع ​الحكومة السورية​، وبالتالي من المنطقي السؤال عما إذا كانت قادرة على الذهاب بعيداً في الخيارات البديلة التي ستغضب واشنطن؟.

بالإضافة إلى ذلك، يؤكد خطاب السيد نصر الله، بما لا يقبل الشك، أن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة على الإطلاق، نظراً إلى أن أحداً لا يمكن أن يتوقع تراجع واشنطن في هذه المعركة التي تخوضها من دون قفازات، وبالتالي قد ترتفع أكثر الضغوط وتأخذ أشكالاً مختلفة، منها تلك التي كانت قد بدأت على شكل تحركات شعبية وخطابات سياسية من قبل بعض الجهات المحلية، الأمر الذي يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات على هذا الصعيد.

في المحصلة، المواقف التي أطلقها السيد ​نصرالله​ مفصلية في هذه المرحلة الحساسة من ​تاريخ لبنان​، وهي لا يمكن أن تمر مرور الكرام، في ظل معركة تبادل الرسائل العالية السقف على أكثر من محور، وبالتالي من المفترض انتظار كيف سيتم التعامل معها من قبل جميع المعنيين، في الداخل والخارج أيضاً.