ما اسرع اصحاب الـ"بروباغاندا" في تسويق منتجهم اعلامياً حين يحلو لهم وبالسرعة التي يرغبون بها، ووفق الفكرة التي يريدون زرعها في العقول، ولو كانت غير منطقية. فبعد الكارثة التي حلت بلبنان جراء انفجار ​مرفأ بيروت​، بدأت تلوح على حدود مياهه الاقليمية البوارج و​السفن​ وحاملات الطائرات من جنسيات دولية مختلفة. ومع التسليم بأن هذا التواجد مريب، ولا يمكن ان يتعلق فقط بالدواعي الانسانية، فإن التفسير الذي سارع البعض الى تبنّيه ونشره على نطاق واسع، هو ان هذه القطع الحربية انما اتت لإنقاذ لبنان وفرض نظام دولي بالقوة عليه، وهو ما ألمح اليه ايضاً وزير الخارجية الايراني ​محمد جواد ظريف​ خلال تواجده في بيروت.

قد تصدُق هذه النظرية، ولكن التاريخ يتحدث عن منطق آخر مغاير تماماً لما يقال، واذا كانت مصلحة ظريف تتلاقى مع مصلحة اصحاب "البروباغاندا" ولو من رؤية سياسية مختلفة، فإن التاريخ والوقائع لا يسايران احداً. فلنقف لحظة ونفكّر في ما اذا كانت هذه الافكار قابلة للتنفيذ، ووفق المنطق، فإن هذا الحلّ يضرب عرض الحائط كل الضغوط الاقتصاديّة والماليّة التي فرضت على لبنان على مدار عام كامل للوصول الى تسوية ما، كما انه يطيح بكل ما قام به الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ في الشهر الماضي وتسويقه لمبادرته السياسية اقليمياً ودولياً.

وهل يعتقد احد انه لو هناك بالفعل قرار متخذ بفرض "النظام" بالقوّة على لبنان، كانت ابقت الدول على قوات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب والتي ستكون "لقمة سائغة" للردّ على اي عمل عسكري دولي؟ فعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، انّ حياة كل جندي في الدول الاجنبية لها حساباتها في المعادلات السياسية والشعبية، ويمكن ان يطيح بإدارة بأكملها، فكيف اذا كان العدد كبيراً؟ وقد شهدنا ما حصل في ​الولايات المتحدة الاميركية​ وبعض الدول الاوروبية من ضغوط لوقف الزجّ بالجنود في المعارك خارج البلاد من جهة، واعادتهم الى ثكناتهم في دولهم من جهة اخرى. وربطاً بالموضوع نفسه، اليس من المنطقي الحصول على موافقة دولية شاملة في ​مجلس الامن​، تؤدّي الى تعديل عمل قوات "اليونيفيل" في لبنان وتعطيها صلاحيات اوسع، فيما المواقف لا تزال معروفة حتى اليوم، والاتجاه هو اما ابقاء المهام على حالها، او استعمال "الفيتو" للحدّ من أيّ طموح في تعديل هذه المهام.

نقطة اخرى يجدر التوقف عندها وتتعلق بالخطط الموضوعة للتدخّل العسكري المفترض، وهل يقتصر فقط على توجيه ضربات من البحر والجو؟ لانّ هذا السيناريو يصلح فقط في الحروب على دول فيما الجميع يتفق على ان لبنان ليس دولة عدوّة وان المستهدف هو "​حزب الله​" ولو قال المسؤولون الاسرائيليّون انهم يحمّلون لبنان مسؤولية افعال الحزب، لكن باقي الدول لا تدخل في مثل هذا الاسلوب. وحتى لو تمّ فعلاً توجيه ضربات جويّة وبحريّة لحزب الله فقط، فسيؤدّي ذلك الى سقوط مدنيين بالمئات كما حصل عام 2006، ولا قدرة لاي دولة على تحمل مسؤولية مثل هذه المجزرة. اضافة الى ذلك، سيكون الزامياً نشر عدد كبير من الجنود الدوليين على الاراضي اللبنانية، مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطرة غير محسوبة النتائج لما سيلي هذا الامر في حال حصوله، على غرار ما حصل في العام 1982 والذي لا تزال ذكراه تتردد حتى اليوم.

بناء على ذلك، هناك نظرية اخرى تقول بأن وصول هذه القطع الحربيّة انما يصبّ في خانة تعزيز الحصار على الحزب، ولكنها تبقى ايضاً موضع شك لانّ التمويل الاساسي للحزب يأتي عبر البر وبأساليب مختلفة. اما النظريّة الثالثة، فتقول بأنّ التواجد في المتوسط هو رسالة الى ​تركيا​ التي تتحدّى الاوروبيين والعالم في "التحرّش" ب​اليونان​ وبمسائل التنقيب عن النفط، والتنبيه الى جدّية القارّة العجوز في التعامل مع ايّ خطر تركي في هذا السياق.