يوم الجمعة في 28 آب الحالي، سيبحث ​مجلس الأمن​ الدَولي مسألة تمديد ​القوات​ الدَوليّة العاملة في ​لبنان​ (معروفة بإسم "يونيفيل"). فهل سيتمّ تمديد عمل هذه القوّات تلقائيًا–كما كان يحصل في السنوات السابقة، أم أنّ الضُغوط الأميركيّة القائمة حاليًا، ستُفشل هذا المسعى، ليُفتح باب ​الجنوب​ على مخاطر كُبرى في المُستقبل؟.

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الموقف الأميركي يُصرّ على تعديل مهمّات القوّات الدَوليّة، لجهة منحها السُلطات والصلاحيّات للتحرّك بشكل مُنفصل عن ​الجيش اللبناني​، ولجهة السماح لها بمُداهمة مناطق ومنازل كانت ممنوعة عليها بحجّة أنّها أملاك خاصة. وتُلوّح ​واشنطن​ بقطع التمويل عن هذه القوّات في حال الرفض، وتضغط لخفض عديدها وفترة خدمتها(1). والهدف الأميركي غير المُعلن هو تضييق الخناق على أنشطة مُقاتلي "​حزب الله​" في منطقة عمليّات القوّات الدَوليّة(2)، والتي تمتدّ ما بين حُدود ​الخط الأزرق​ من جهة، وحدود ​نهر الليطاني​ من جهة أخرى. وليس بسرّ أنّ ​إسرائيل​ تتهم "الحزب" بتأسيس بنية عسكريّة سرّية في تلك المنطقة، تضمّ أنفاقًا ومنصّات إطلاق ​صواريخ​ ومخازن ذخيرة، تحت الأرض وفي مناطق مُختلفة لا يحقّ للقوّات الدَوليّة دُخولها. كما تتهم إسرائيل "الحزب" بمراقبة المنطقة ككلّ، من خلال أبراج ومراكز تابعة لجمعيّات تابعة له، تعمل تحت ستار النشاط البيئي وحماية الأحراج. وبالتالي، تُحاول واشنطن تلبية أحد المطالب الإسرائيليّة المُزمنة، لجهة التضييق على عمل "الحزب" المُسلّح والأمني في تلك المنطقة، من خلال تعديل مهمّات قوّات "​اليونيفيل​"، الأمر الذي يرفضه لبنان الرسمي بشكل واضح، ويُعارضه "حزب الله" بشكل تام ومُطلق.

من هنا، تُحاول ​فرنسا​ إيجاد تسوية مُعيّنة، لا تكسر الموقف الأميركي بشكل كامل ومُباشر، ولا تصطدم بالمُعارضة اللبنانيّة لأيّ تغييرات في السيناريو القائم في الجنوب منذ العام 2006، وحتى قبل ذلك. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ فرنسا تقدّمت بمشروع قانون يتمّ بحثه حاليًا في الدوائر المُختصّة، في إنتظار البت فيه بشكل حاسم يوم الجمعة المُقبل، علمًا أنّ هذا المشروع ينصّ على إدخال بعض التعديلات المَحدودة وغير الأساسيّة، لكن من دون تغيير الوقائع المُطبّقة منذ سنوات(3). وهذا المشروع يرمي إلى المُحافظة على الإستقرار في الجنوب، من خلال إنقاذ دور قوّات "اليونيفيل"، وقطع الطريق على أّي مُحاولات لسحبها من لبنان أو لإضعاف دورها. كما يُعارض المشروع تحويل هذه القوّة إلى وحدات عسكريّة صداميّة مع "حزب الله"، خاصة وأنّ عديد القوّات الدوليّة في الجنوب يتكوّن خُصوصًا من وحدات أوروبيّة، ومنها وحدات فرنسيّة، بينما لا توجد قوّات أميركيّة من ضُمنها على سبيل المثال، وبالتالي لا فرنسا ولا أيّ دولة أوروبيّة أخرى ستُخاطر بحياة جُنودها لتنفيذ مطالب أميركيّة وإسرائيليّة.

إشارة إلى أنّ الجانب اللبناني الرسمي يعلم تمامًا أنّ القوّات الدوليّة، والأمم المُتحدة من خلفها، وكل المُجتمع الدَولي أيضًا، لم يُوفّروا الحماية للبنان بوجه إعتداءات إسرائيل المُتكرّرة عليه، منذ إجتياح العام 1978 الجزئي، مُرورًا بإجتياح العام 1982 الواسع، وُصولاً إلى حرب تمّوز في العام 2006. لكنّ هذه القوّات تُشكّل على الأقلّ، غطاء دوليًا معنويًا للشرعيّة اللبنانيّة، وتبقي المُجتمع الدَولي على إطلاع دائم على ما يجري في الجنوب، وهي تؤمّن تحرّكًا دوليًا سريعًا عند حُصول أيّ عدوان إسرائيلي جديد على لبنان. من جهة أخرى، إنّ "حزب الله" لا يُبالي بوجود هذه القوّات، وهو يعتبر أنّ وُجودها من عدمه، لا يُغيّر في الواقع القائم، ويرفض بالتالي الرضوخ لأي ضُغوط أو تهديدات بسحب هذه القوّات ما لم يتمّ تعديل مهمّاتها.

في الختام، لا شكّ أنّ عمليّة شدّ حبال سياسي تدور على المُستوى الدبلوماسي الدَولي حاليًا، على أمل أن تنجح الجُهود الفرنسيّة في توفير مظلّة دَوليّة لمشروعها، بحيث يتمّ تمرير مسألة ​التمديد​ للقوّات الدَوليّة في الجنوب بدون أي مشاكل أو عقبات، لأنّ من شأن نجاح الجُهود الأميركيّة المُقابلة لتغيير الوقائع القائمة، أن يؤثّر سلبًا على الإستقرار الهشّ الحالي في الجنوب، في وقت لم يعد بإمكان لبنان تحمّل أيّ خضّة أمنيّة إضافيّة على الإطلاق.

(1) واشنطن تُلوّح بخفض عديد القوات الدَوليّة من نحو 15000 عُنصر ومدني إداري حاليًا إلى نحو 8000 فقط، وإلى خفض فترة عملها من سنة حاليًا إلى ستة أشهر فقط، بالتزامن مع وقف دفع حصّتها من تمويل هذه القوّات والتي تُعتبر الأكبر بين مُختلف الجهات.

(2) مُحدّدة في القرار الدَولي رقم 1701 الذي كان قد صدر في 11 آب من العام 2006.

(3) يُتيح مشروع القرار الفرنسي تمديد عمل الوحدات العسكريّة التابعة للأمم المتحدة حتى نهاية آب 2021، من دون خفض عديدها، ومن دون تعديل مهمّاتها، لكنّه يتضمّن في الوقت عينه بعض التعديلات المَحدودة والمَدروسة بعناية.