لا أحد ينكر أهمية ​تشكيل الحكومة​ بأسرع وقت ممكن، فالبلاد لم يكن ينقصها إلا الإنفجار، الذي وقع في ​مرفأ بيروت​ في الرابع من آب الجاري، حتى تظهر الحاجة الماسة إلى ضرورة مقاطعتها مع كل المرحلة الماضية، التي طغت فيها ممارسات ​الفساد​ و​المحاصصة​ القاتلة، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو الخفّة التي تتعامل بها غالبيّة القوى المحليّة مع هذا الإستحقاق.

في الأوساط السياسية معادلة غريبة عجيبة، تقوم على أنّ المطلوب الذهاب إلى تشكيل الحكومة أو على الأقل تسمية رئيس الحكومة المكلف قبل زيارة الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، المقرّرة يوم الثلاثاء المقبل، مقابل أخرى تراهن على حضور الزائر الفرنسي لمعالجة معضلة عدم الإتفاق على أيّ اسم، لا سيما بعد إعلان رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ عزوفه عن الترشّح، وطلبه من القوى المعنيّة سحب اسمه من التداول.

في زيارته الماضية، سعى ماكرون، في العلن، الى حفظ ماء وجه تلك القوى، عبر عدم الدخول في التفاصيل، ودعوته لمن اجتمع معهم في قصر الصنوبر إلى الإتفاق على حكومة جديدة تقود البلاد، تاركاً لها هامشاً من الحرية في التحرك، إلا أنها لم تدرك أهمية ذلك أو انها عاجزة عن القيام بهذه المهمة نتيجة الخلافات التي تعصف بين أركانها، وبالتالي هي تنتظر اليوم عودة "الوصي" ليتولى بنفسه جمعها، نظراً إلى أنها "قاصرة" لم تبلغ بعد "سن الرشد".

المشهد الحالي، يعيد إلى الأذهان عملية تشكيل الحكومات أيام الوجود السوري في لبنان، حيث لم تكن القوى السياسية قادرة على الخروج عن الخطوط التي تُرسَم لها، حيث كان "الوصي" السوري حينها يتولى إنجاز المهمة، بعد فرضه الحلول التي يراها مناسبة لما يظهر من خلافات، بينما دخلت البلاد، بعد العام 2005، مرحلة جديدة، عنوانها صعوبة تأليف أي حكومة بسرعة، حتى ولو كانت تميل إلى "اللون الواحد"، نظراً الى أن الخلافات على الحصص لا تنتهي.

بعد إستقالة حكومة حسّان دياب، هناك جملة من العناوين التي كانت طاغية، أبرزها: "ماذا يريد الفرنسي؟ ماذا يريد الأميركي؟ هل منحت السعودية الضوء الأخضر؟ ما هو الموقف الإيراني؟ ما حجم الدور التركي المستجد؟ هل ينجح المصري في تأمين الغطاء العربي"؟، في مؤشر على عجز القوى المحلّية عن إنتاج تسوية لبنانيّة، تنطلق من المصلحة الوطنيّة في لملمة الأوضاع الداخلية، بعد الإنهيار المالي والإقتصادي الذي حصل، وبعد الإنفجار في المرفأ الذي فاقم من التداعيات الكارثيّة.

حجم الخطر، الذي يواجهه لبنان، عبّر عنه بشكل واضح وزير الخارجية الفرنسية ​جان إيف لودريان​، يوم أمس، عندما أكد أن "على السلطات اللبنانية تشكيل حكومة جديدة سريعاً، لأن الخطر اليوم هو اختفاء الدولة"، في حين يلمس المواطنون يوماً بعد آخر حجم الإهتراء الحاصل على مستوى المؤسسات الرسمية، الذي بات لا يستثني أياً منها، وهو مرشح للتصاعد أكثر في المرحلة المقبلة، في حال الفشل بإيجاد الحلول المناسبة.

في زيارته المقبلة إلى بيروت، قد ينجح الرئيس الفرنسي في إيجاد حلّ مرحلي أو قد يفشل، لكن الأكيد أن الأزمة المحلية دخلت منعطفاً خطيراً، سببها الأساسي هو وجود قوى سياسية "قاصرة" عن إيجاد أي معالجة وطنية، تغلّف عجزها بالشعارات الطائفيّة والمذهبيّة، التي لا تبني دولة، وبالإرتباط بقوى خارجيّة تؤمّن لها الدعم المستمر مقابل حجز موقع لها في المعادلة يؤمّن مصالحها، فالدولة لم ولن تكون جمعيات خيريّة تقدّم خدمات مجانية لوجه الله.