سيحتل أعضاء ​المجلس النيابي​ اليوم المشهد السياسي على مدى ساعات طويلة، يسعون خلالها إلى إبراز دورهم في تسمية رئيس ​الحكومة​ المكلف الجديد، بالرغم من أن معظمهم لم يكن يعرف عن الاسم، الذي سيختاره، قبل يوم أمس أي شيء. إلا أن "التعليمة" وصلت وما على المُمَثلين إلا أداء دورهم على أكمل وجه، في حين أن البلاد ستكون أمام فيلم سبق أن شاهده الجميع، نظراً إلى أنهم يعرفون النهاية، أي اختيار السفير ال​لبنان​ي في ​ألمانيا​ ​مصطفى أديب​ رئيساً للحكومة العتيدة.

ضمن هذا المشهد، هناك مجموعة من الأسئلة التي من الواجب طرحها، احتراماً لعقول المواطنين أولاً وأخيراً، تبدأ من جدوى حصول ​الاستشارات النيابية​ في الأصل طالما أن الاختيار تم، وبالتالي ليس هناك من داع لإضاعة الوقت. وتشمل السؤال أيضاً عن موقع نادي رؤساء الحكومات السابقين في ​الدستور اللبناني​، الذين باتوا هم من يتولى اختيار من سيكون خليفتهم، على قاعدة أن هذا الموقع لطائفة معينة هم من يعبر عنها في الوقت الراهن.

هذه المعادلة، أي الأقوياء في طوائفهم، لا تقف عند ​الطائفة السنية​ فقط، بل تكرست عند ​الشيعة​ بالنسبة إلى رئاسة المجلس النيابي منذ سنوات طويلة، وبعد انتخاب ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ تكرست عند الطائفة المارونية، ما يدفع إلى السؤال جدياً عن دور المجلس النيابي من الأصل، طالما أن هناك مجموعة من 6 أو 7 أشخاص هي من تقرر كل شيء، بينما غالبية النواب من المأمورين يتولون التنفيذ من دون أي اعتراض.

وهذا السؤال، يأتي من منطلق أن البلاد تمر بأزمة مالية خانقة، من الضروري البحث في سبيل الخروج منها عن إلغاء أي مصاريف غير ضرورية. وهنا يكون لدينا مصاريف 128 نائباً ينفذون تعليمات زعامات سياسية، بعضها من داخل المجلس النيابي وبعضها الآخر من خارجه، أي من الممكن بالحد الأدنى توفير رواتب 120 نائباً بالحد الأدنى، الأمر الذي يحول دون أخذ إجراءات قاسية قد تطال جميع المواطنين.

هذه الدعوة لا تأتي بسبب المسرحية الحاصلة اليوم فقط، فهي نموذجاً بسيطاً عن دور المجلس النيابي بشكل عام، حيث تقرر التسويات بين الزعامات ما يجب أن يقر من قوانين وما لا يمكن أن يقر. وما يتم إقراره من قوانين لا تخدم مصالح هؤلاء، نظراً إلى أنها تكون مطلوبة دولياً بالدرجة الأولى، لا تطبق عملياً بسبب غياب المراسيم التطبيقية، على سبيل المثال، التي من المفترض أن تتولى القوى نفسها الموجودة في ​مجلس الوزراء​ مسؤولية وضعها.

ما تقدم، لا ينفصل عن المسرحية الأكبر، أي "الديمقراطية التوافقية"، بينما مفهوم الديمقراطية يفترض وجود أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وبالتالي التعبير الأدق، الذي من المفترض أن يعتمد، هو "الديكتاتورية التوافقية"، نظراً إلى أن لبنان لا يحكمه "ديكتاتور" واحد بل مجموعة من "الديكتاتوريين" يدافعون عن مواقعهم انطلاقاً من شعارات طائفية ومذهبية. ويتولون التحكم بكل شيء عبر مؤسسات من المفترض أن تكون عامة، الأمر الذي يقف عائقاً أمام كل محاولات التغيير وكل محاولات المساءلة أو المحاسبة، بدليل الخطوط الحمراء التي ترفع لحماية أي موظف أو مسؤول قد تثار حوله شبهات فساد.