الترقّب سيكون سيّد الموقف خلال ​الساعات​ والأيّام القليلة المُقبلة، لمعرفة ما سيحصَل في الملفّ الحُكومي، والذي بدوره يؤثّر على مُجمل الوضع ال​لبنان​ي. فما هي الوقائع والمُعطيات المُتوفّرة حتى اللحظة في هذا الملفّ الحسّاس والحاسم بالنسبة إلى مصير لبنان في المدى المَنظور؟.

أوّلاً: إنّ تحديد رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​، يوم الخميس 15 تشرين الأوّل، موعدًا للإستشارات النيابيّة ليس نهائيًا، حيث يُمكن أن يُؤجّل في اللحظة الأخيرة في حال تبيّن أنّ أفق التكليف مُقفل تمامًا، حتى لا تُضاف خيبة أمل جديدة إلى الأجواء القاتمة السائدة. وحتى في حال الإبقاء على الموعد بدون تغيير، من المُحتمل تنظيم الإستشارات لكن من دون التوصّل إلى تسميّة أيّ شخصيّة بأغلبيّة وازنة، في حال عدم التوافق مُسبقًا على هويّة رئيس الحُكومة المُكلّف، الأمر الذي قد يدفع بعض الكتل إلى مُقاطعة الإستشارات أو إلى عدم تسمية أيّ شخصيّة، أو ربما إلى تسمية شخصيّات لا تحظى بأي فرصة عمليّة-كما حصل في مراحل سابقة.

ثانيًا: إنّ مُختلف القوى السياسيّة اللبنانيّة أكّدت تمسّكها بالمُبادرة الفرنسيّة، ليس حُبًّا بهذه الأخيرة، بل لأنّها مُدركة أنّها تُشكّل فرصة أخيرة قبل السُقوط المُدوّي، وخيارًا من شأن نجاحه أن يُكسب لبنان دعمًا ماليًا يُمكّنه من الصُمود لبعض الوقت الإضافي. لكنّ المُشكلة أنّ الأطراف اللبنانيّة تُفسّر المُبادرة الفرنسيّة بشكل مُختلف، حيث يتحدّث بعض الأفرقاء عن بُنود وردت فيها ويتمسّكون بها، بينما ينفي أفرقاء آخرون هذا الأمر، ويُعطون تفسيرات مُغايرة، الأمر الذي أدّى إلى بلبلة كبيرة يستغلّها البعض للتهرّب من جزء من الإلتزامات وللإلتفاف على إلتزامات أخرى.

ثالثًا: على الرغم ممّا يتردّد إعلاميًا بين الحين والآخر، لا نيّة لدى رئيس الجمهوريّة بالمُوافقة على حُكومة تحدّي ومُواجهة تُشكّلها الأكثريّة النيابيّة، ولا حماسة أيضًا لتعويم ​الحكومة​ المُستقيلة -مهما طال أمد ​تصريف الأعمال​، وذلك حفاظًا على فرصة الإنقاذ المُتمثّلة بالمُبادرة الفرنسيّة وما تحمله-ولوّ بشكل مَشروط، من مُساعدات وقروض ماليّة إلى لبنان.

رابعًا: إنّ رئيس الجُمهوريّة أدّى دوره بتحديد الإستشارات، ورئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ إلتقط الفُرصة، وحافظ على إسمه كمرشّح أساسي لكن وفق شروط مُعيّنة. وإذا كان العماد عون يجهد لإنقاذ ما تبقّى من عهده، ولا يُريد إضاعة المزيد من الوقت، فإنّ رئيس "المُستقبل" يعرف أنّ المُساعدات التي ستصل إلى لبنان بعد تشكيل الحُكومة، ستمنح رئيسها دور المُنقذ، وهو ما يستهدفه من خلال سعيه للعودة إلى رئاسة الحُكومة بغطاء دَولي، وما يُبرّر مواقفه التصعيديّة عندما لا يكون إسمه مطروحًا لرئاسة الحُكومة.

خامسًا: التوافق على طبيعة الحُكومة، سيفتح الباب أمام تحديد إسم الشخصيّة التي ستُكلّف مهمّة التشكيل، وحسم التباين بين "حُكومة إختصاصيّين" بكاملها من دون تمثيل سياسي، أو حكومة "تكنو-سياسيّة" تضمّ تمثيلاً سياسيًا محدودًا إلى جانب فريق عمل مُتخصّص، سيجعل عمليّتي التكليف والتشكيل سهلتين نسبيًا. والعكس صحيح، حيث أنّ إستمرار شدّ الحبال بين مُناصري الحُكومة الخالية من السياسيّين ومُناصري الحكومة التي تضمّ شخصيّات مُمثّلة للأحزاب والقوى الرئيسة، قد يُعيد الأمور إلى نقطة الصفر. والنجاح في تجاوز هذا الخلاف يستوجب بالتأكيد تنازلاً من أحد الطرفين الأساسيّين، أي "تيّار المُستقبل" من جهة أو "​الثنائي الشيعي​" من جهة أخرى، أو من كليهما معًا. وفي حين أنّ "​حزب الله​" يَمون على باقي القوى الصغيرة المَحسوبة على قوى "8 آذار" السابقة، لإقناعها بالخيار الذي سيتمّ التوصّل إليه، إنّ "تيّار المُستقبل" لا يحتاج عمليًا للقوى الأخرى المَحسوبة على قوى "​14 آذار​" السابقة في حال عقد إتفاقًا حُكوميًا مع كلّ من "الثنائي الشيعي" و"التيّار الوطني الحُر". وهذا الأخير، ينتظر ما ستؤول إليه المرحلة الأولى من المُفاوضات بين "المُستقبل" و"الثنائي"، للدُخول على خطّ التكليف والتشكيل بفاعليّة، علمًا أنّ جُهودًا تُبذل حاليًا لكسر البرودة السابقة بين رئيسيّ "المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ"، بهدف دفع ملف التكليف والتشكيل قُدمًا.

في الختام، وإنطلاقًا من كل ما سبق إنّ الساعات والأيّام القليلة المُقبلة حاسمة لجهة تحديد الوجهة التي ستأخذها الأمور في الملفّ الحُكومي. فتحديد رئيس الجُمهوريّة موعدًا للإستشارات النيابيّة، لم يتمّ بناء على تقدّم في مُفاوضات التأليف، بل لكسر الجُمود في الملفّ في ما حصل. والإتصالات واللقاءت التي سيقوم بها رئيس الحُكومة السابق مع عدد من كبار المسؤولين خلال الساعات القليلة المُقبلة حاسمة لتحديد وجهة الملفّ الحُكومي. فهل سيتلقّف الأفرقاء المَعنيّون الفرصة ويُقدّمون بعض التنازلات المُتبادلة بشكل يُتيح التوصّل إلى تسوية، أمّ أنّ التعنّت الداخلي مَعطوفًا على تدخّلات بعض الخارج، سيُؤدّي إلى تضييع الفرصة مرّة جديدة، في الوقت الذي يقف فيه اللبنانيّون عاجزين سوى عن مُشاهدة مشهد غرقهم وغرق بلادهم في ​الفقر​ و​البطالة​ والبؤس؟! إذًا، ساعات حاسمة وتنازلات مَطلوبة وإلا... السُقوط المُريع!.