توقّفت أوساط لبنانية متابعة عن كثب لما يجري من اتصالات على صعيد التركيبة الحكوميّة الجارية، فرأت فيه تكرارا لمشهديّة التهميش المسيحي الّتي حصلت بشكل متقلّب مرارا خلال العقود الأربعة الأخيرة من الزمن. وعلى الرغم من الظروف الماليّة القاسية الّتي يمرّ بها لبنان، فهناك من يعمل على ضرب عدد من المكوّنات وجرّ البلد الى نزاعات جديدة مع وجود طبقة سياسيّة مترهّلة، لا رؤية واضحة لديها في ظلّ المتغيّرات والاحداث الدوليّة والاقليميّة.

في هذا السّياق، لا يعتبر مراقبون أن ما يجري على صعيد ​تشكيل الحكومة​ ​الجديدة​ مجرد مشاكسة ناتجة عن "حرد" رئيس أكبر كتلة نيابية(تكتّل لبنان القوّي) النائب ​جبران باسيل​، ورفضه الطريقة التي تعامل معه فيها النائب سعد الحريري،وهو رئيس تيار "المستقبل" السياسي، مستكثرا عليه اتصالا هاتفيًّا يمهّد لزيارة وفد "المستقبل" الى" ميرنا الشالوحي"، فيما سارع إلى الاتصال برئيس الحزب "التقدّمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​ واسترضائه بمجرد ان رفع الصوت في وجهه. بل يرى المراقبون أن وراء ذلك خطّة لتهميش الدور المسيحي الفاعل، وتعزّز هذا الاتجاه مع الحملة التي شنّها الحريري على رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​، متّهما الأخير بالايقاع به في ​السعودية​ واذيته سياسيا ومعنويا لدى مرجعيات عربية ودولية فاعلة ومؤثّرة في الشأن اللبناني. ويقول نائب سابق أن الحريري تلقّف طرح نائب رئيس المجلس النيابي ​ايلي الفرزلي​ بأن عنصر الميثاقيّة متوافر لأيّ حكومة يشكلها الحريري من دون أن تكون حائزة على دعم " تكتل ​لبنان القوي​" أو " كتلة ​الجمهورية القوية​" أو الاثنين معا. وهذا يعني أن كتلتي ​المردة​ و​الأرمن​ تحلاّن محل كتلتي "لبنان القوي" و"الجمهورية القوية"، وأن النائبين ​هادي حبيش​ و​نزيه نجم​ يوازيان جبران باسيل وسمير جعجع سياسيا وشعبيا.

في المقلب الآخر تبدو العلاقة معتكرة بين "​التيار الوطني الحر​" و"​الثنائي الشيعي​"، وأن عقد الشراكة بين "​حزب الله​" والوطني هو في غرفة العناية المركزة وتتم عملية إنعاش بعمليّة تنفّس اصطناعي، وأن الايذان بالفراق قد لا يتأخر. ومعه يصبح اتفاق ​مار مخايل​ في خبر كان.

وثمّة اعتقاد أن هناك تكرارا لتجربة ما بعد العام ١٩٩٢ حتى العام ٢٠٠٥، عندما غياب القوى السياسية المسيحيّة لمصلحة قوى وليدة، وأن سيبة رباعية ستتشكل من "المستقبل" و"الاشتراكي" و"حزب الله" تقبض على زمام الأمور في البلاد، وأن القوى والشخصيات المسيحيّة المؤيّدة لها ستكون ديكورا ميثاقيا. وهكذا ستكون ثلاثة قوى مسيحيّة معارضة بالمرصاد لحكومة الحريري،اذا أبصرت النور على النحو الذي يخطط، وهي: التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، ​الكتائب اللبنانية​، وهو أمر غير مريح، ولو أنّ لكل من هذه القوى سببها الخاص بها.

ويقول النائب السابق أن في فترة ما بعد ​الطائف​ إلى استشهاد ​رفيق الحريري​، نشأت حقبة ممسوكة من ​غازي كنعان​ على أنقاض الميثاقية، فهل تنشأ حقبة جديدة مماثلة يمسك بها إيمانويل كنعان أو غازي ماكرون؟.