خلال الأسبوع الماضي تمّ تأجيل موعد الإستشارات النيابيّة المُلزمة ليل الأربعاء-الخميس، أي قبل ساعات قليلة من موعد تنظيمها. فهل سيتكرّر السيناريو نفسه اليوم، أي عشيّة هذه الإستشارات المُفترضة، أم أنّ الصراع السياسي سينتقل من مرحلة ال​تكليف​ إلى مرحلة التأليف؟.

نظريًا، بإمكان رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ تأجيل موعد الإستشارات مُجدّدًا، بسبب عدم تغيّر المُعطيات التي كانت قائمة الأسبوع الماضي، لكن بحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ الإتجاه صار–حتى لحظة كتابة هذا المقال، يميل بوُضوح لصالح إجراء الإستشارات، على أن ينال عندها رئيس "تيّار المُستقبل" النائب ​سعد الحريري​ مجموع أصوات يتراوح ما بين 60 إلى 70 صوتًا، أي ما يكفي من الأصوات لتكليفه تشكيل الحُكومة ​الجديدة​. وتجري حاليًا مُحاولات حثيثة لإقناع أكبر عدد مُمكن من الأحزاب المسيحيّة الصغيرة، ومن النوّاب المسيحيّين المُصنّفين إلى حدّ ما مُستقلّين، التصويت لصالح الحريري. والهدف من ذلك، سحب حجّة غياب الميثاقية عن هذا التكليف، في حال أصرّ نوّاب "التيّار الوطني الحُر" على عدم منح صوتهم لصالح الحريري، علمًا أنّ نوّاب "​الكتائب​" صاروا خارج المجلس، ونوّاب "​القوات​" لن يُسمّوا أيّ مرشّح. وفي المَعلومات أيضًا، أنّ هناك مُحاولات لإقناع النوّاب الذين ينتمون إلى تكتّل "​لبنان​ القوي" من غير المُلتزمين حزبيًا بالتيّار، للتصويت لصالح الحريري، علمًا أنّ خرقًا مُماثلاً قد يحصل مع نائب أو مع نائبين ينتمون إلى كتلة "الجمهوريّة القويّة".

في كلّ الأحوال، وفي حال بقي موعد الإستشاراتالخميس من دون تأجيل، فإنّ رئيس "تيّار المُستقبل" سيُصبح رئيسًا مُكلّفًا لتشكيل ​الحكومة​، بغضّ النظر عن الرقم الدقيق للأصوات التي سيحصدها، وبغضّ النظر أيضًا عن إشكال الميثاقيّة في ظلّ عدم تسميته من قبل أكبر كتلتين نيابيّتين مسيحيّتين المُمثّلتين بكل من "التيّار" و"القوات". فما الذي سيحصل عندها؟.

بطبيعة الحال ستنطلق مُفاوضات التأليف، حيث سيبرز سريعًا الخلاف على شكل الحُكومة وطبيعتها، حيث أنّ حديث رئيس "تيّار المُستقبل" المُتكرّر عن حُكومة إختصاصيّين، لن يكون قابلاً للتصريف، بعدما تردّد من تعهّدات شفهيّة جرى منحها لكل من "​الثنائي الشيعي​" وللحزب "التقدّمي الإشتراكي"، بشأن حصصهم الوزاريّة. وتؤكّد مُختلف القوى السياسيّة الأخرى، أنّه في حال إستثناء أي جهة على صعيد منحها حقائب تُطالب بها، أو على صعيد منحها حق تسمية وزرائها، فإنّ هذا المَطلب سيُصبح شاملاً، ولن تقبل أيّ جهة أخرى بإستثنائها. ويتردّد أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" ينتظر النائب الحريري "على الكوع"–كما يقال ب​اللغة​ العاميّة اللبنانيّة، أي أنّه سيُطالب بتسمية الوزراء المسيحيّين وبتحديد حقائبهم أيضًا، في حال جرى تطبيق هذا المبدأ على أيّ جهة سياسيّة أخرى، لنصبح عندها أمام حُكومة مُشابهة لحكومة ​تصريف الأعمال​ الحاليّة، مع إختلاف وحيد يتمثّل في هويّة رئيسها، وفي وقوف "تيّار المُستقبل" إلى جانبها وليس في مُواجهتها. وبالتالي، يُنتظر أن تأخذ هذه العمليّة وقتًا لا بأس به، لتدوير الزوايا، ولتركيب الحكومة ككلّ، بمختلف توازناتها السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة، إلخ. ويتحدّث بعض المُتفائلين عن إمكان تعيين وزراء إختصاصيّين وغير حزبيّين، وربما يعيشون خارج لبنان، وذلك للسماح للحريري بتقديمها للمُجتمع الدَولي كحكومة إختصاصيّين، على أن تكون ضمنيًا مُوزّعة على عدد كبير من القوى السياسيّة والطائفيّة في لبنان.

في المُقابل، تُوجد نظريّة أقلّ تفاؤلاً تتحدّث عن أنّ مرحلة التكليف قد تُنجز بمن حضر، بسبب الضُغوط الخارجيّة الكبيرة التي يتعرّض لها لبنان، لكنّ طريق التأليف لن يكون سالكًا. وفي هذا السياق، يخشى بعض المُتشائمين من أنّ ينفجر الكباش الحاد القائم حاليًا بين كلّ من "التيّار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" بقوّة، خلال مرحلة التأليف. ولا شكّ أنّ رئيس الجُمهوريّة يملك ورقة ضغط تتمثّل في إمكان رفض توقيع أيّ تشكيلة تُعرض عليه، ما لم يكن راضيًا عنها، شأنه شأن "التيّار الوطني الحُرّ" من خلفه. في المُقابل، يملك رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورقة ضغط لا تقلّ أهميّة، تتمثّل في عدم إمكان سحب التكليف منه، إضافة إلى إحتمال تحوّل التشكيلة الحُكوميّة التي سيرفعها الحريري إلى ​الرئيس عون​، إلى حُكومة تصريف أعمال كأمر واقع، بدلاً من حُكومة تصريف الأعمال الحاليّة، وذلك في حال ذهاب الحُكومة إلى التصويت على الثقة في ​مجلس النواب​ وفشلها في تجاوز هذه المحطّة. اكثر من ذلك، قد يجد رئيس "تيّار المُستقبل" نفسه مُحاصرًا بمطالب سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة، من مختلف القوى بعد تكليفه، بحيث أنّ كل ما تحدّث عنه مرارًا عن حُكومة إختصاصيّين مُستقلّة، قد يذهب مع الريح، الأمر الذي سيُهدّد عندها كامل مُهمّةالتأليف، وربما قد يدفع الحريري إلى التنحّي.

في الخُلاصة، في حال إرجاء الإستشارات النيابيّة مُجدّدًا، النتائج ستكون سلبيّة جدًا. وفي حال تمّ تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" في ظلّ إستمرار الخلاف بين "المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ"، ستنتقل المُواجهة إلى عمليّة التشكيل بعد تجاوز مطبّ التكليف. وفي حال بقيت الهوّة كبيرة بين الحريري وباقي القوى السياسيّة التي ستسمّيه، واسعة بشأن طبيعة الحكومة ومهمّاتها وصلاحيّاتها أيضًا، فإنّ عملية التأليف ستفشل. وفي حال جرى الإلتفاف على نُفوذ "التيّار الوطني الحُرّ" من قبل "تيّار المُستقبل"، فإنّ ولادة الحكومة لن تكون سهلة، وفي حال ولادتها بعمليّة قيصريّة لن يكون حُكمها سهلاً. وفي إنتظار أن تتضح الأمور أكثر خلال ​الساعات​ والأيّام القليلة المُقبلة، المُعطى الوحيد الثابت أنّ لبنان يعيش أسوأ أيّامه، والمُشكلة الكُبرى أنّ القوى السياسيّة كلّها تعيش في عالم مُنفصل تمامًا عن واقع اللبنانيّين المأساوي والذي يزداد صُعوبة ومشقّة يومًا بعد يوم.