على الرغم من الغموض الذي لا يزال يعتري الإستشارات النيابية الملزمة، المقررة يوم غد الخميس، نظراً إلى إحتمال أن يعمد ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ إلى إعادة تأجيلها من جديد، في ظل إستمرار الأسباب الموجبة التي دفعته إلى ذلك في المرة الماضية، يمكن الجزم بأن رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ يضمن تكليفه مسبقاً، إنطلاقاً من الدعم الذي يحظى به من قبل عدد من ​الكتل النيابية​، مقابل عدم وجود أي منافس جدي له.

أساس نجاح الحريري في ضمان التكليف، يكمن بتجاوزه المعيار الميثاقي الذي كان يطالب به في الفترة الماضية، لا سيما بعد إستقالته من ​رئاسة الحكومة​ في شهر تشرين الأول من العام الماضي، حيث لم يعد مهتماً بتسميته من قبل تكتل "لبنان القوي" أو تكتل "​الجمهورية القوية​"، لكن هل يستطيع تجاوز هذا المعيار في مرحلة التأليف؟.

من وجهة نظر مصادر سياسية مطلعة، الحريري سيكون مضطراً إلى البحث في كيفية تأمين هذا المعيار لحكومته في مرحلة التأليف، نظراً إلى أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"(الفقرة "ي" من مقدمة ​الدستور​)، وبالتالي هو لا يستطيع أن يتفق على تسمية الوزراء ​الشيعة​ مع "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، والوزراء ​الدروز​ مع رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق ​وليد جنبلاط​، بينما لا يتواصل مع أي من الكتل ​المسيحية​ الوازنة، مع العلم أنه هو من سيتولى تسمية الوزراء ​السنة​.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن من حق رئيس الحكومة السابق أن يرفض التواصل مع الأفرقاء السياسيين قبل تكليفه، كما يفعل مع رئيس "​التيار الوطني الحر​" النائب ​جبران باسيل​، لكنها تلفت إلى أن الحريري قام بذلك مع أفرقاء آخرين لضمان تكليفه، وتوضح أنه بعد التكليف سيكون عليه التواصل مع حزب "القوات اللبنانية" أو "التيار الوطني الحر"، نظراً إلى حاجته إلى دعم أيّ منهما قبل الإنتقال إلى مرحلة نيل الحكومة الثقة في ​المجلس النيابي​.

وفي حين تلفت المصادر نفسها إلى أن "القوات" حسم موقفه مسبقاً، لناحية عدم رغبته في المشاركة بالحكومة، تعتبر أن رئيس الحكومة السابق سيكون مجبراً على التفاهم مع "الوطني الحر"، خصوصاً أنه يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم ​تشكيل الحكومة​، وتؤكد أن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل في حال لم تكن تتمتع بالميثاقية اللازمة، وبالتالي لن ينجح في إنجاز مهمته من دون هذا الإتفاق، حتى ولو لم يكن يفكر بنيلها الثقة.

في هذا السياق، يتحدث البعض عن إحتمال حصول اللقاء بين رئيس "التيار الوطني الحر" ورئيس الحكومة السابق في الإستشارات النّيابية غير الملزمة، التي تأتي في المرحلة التي تلي التكليف، ما يعني أنها قد تكون الباب نحو إعادة فتح قنوات التواصل بين الجانبين، بالرغم من أنّ نواب "الوطني الحر" لن يكونوا قد سمّوا الحريري في الإستشارات الملزمة.

حول هذا الموضوع، تعتبر أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن الحريري سيكون قد عقد المهمة عليه بسبب السقف العالي الذي وضعه، بالرغم من أنه يستفيد منه على المستوى الشعبي داخل ​البيئة​ السنية، نظراً إلى أن التيار كان قد أكد مسبقاً أن المعيار الذي ينطبق على الوزراء يجب أن ينطبق على رئيس الحكومة أيضاً، وبالتالي هو سيدفع نحو حكومة تكنو-سياسية طالما أنّ الحريري سيكون رئيسها، الأمر الذي تفضّله باقي أركان الأكثرية النيابية.

في المحصّلة، ترى الأوساط السياسية المتابعة أنّ المرحلة التي ستلي التكليف قد تشهد كباشاً سياسياً كبيراً، عنوانه الأساسي الميثاقيّة وحقّ رئيس الجمهورية بأن يكون شريكاً في عملية التأليف، الأمر الذي لن يكون الحريري قادراً على تجاوزه بأيّ شكل من الأشكال، رغم رهانه على أن تلعب الظروف الماليّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة دوراً مساعداً في دفع "التيار الوطني الحر" لتقديم تنازلات.