مرّت أربع سنواتٍ من عمر "العهد" الذي أراده ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ فريداً ومختلفاً، بكلّ المقاييس والموازين، من دون أن يتغيّر الكثير على الأرض، أو أن يتحقق "حلم" ​التغيير والإصلاح​ الذي رافق "الجنرال" منذ ما قبل وصوله إلى ​قصر بعبدا​.

كثيرةٌ هي العوامل التي لعبت ضدّ عون خلال الثلثين الأولين من الولاية الرئاسيّة، أولها الظروف التي لم تكن سهلة ولا يسيرة، خصوصاً في العام الأخير الذي بدا بمثابة "حملٍ ثقيلٍ" على الكرة الأرضيّة برمّتها، و​لبنان​ من ضمنها، بعد "ثورةٍ" أثقلت كاهله أصلاً.

ومع أنّ عون حاول "تحصين" ولايته بسلسلةٍ من التفاهمات التي أبرمها قبل دخول القصر، فإنّ انهيارها السريع ضاعف الخسائر، مع تحوّل "الخصومة" إلى "عداوة" في الكثير من الأحيان، ما فتح المجال أمام الحديث المتكرّر عن "مؤامرة" و"حصار" وما إلى ذلك.

اليوم، وعلى أبواب ​السنة​ الخامسة من العهد، يعدّد "العونيّون"، كما سائر اللبنانيين، الخسائر التي حُمّل "العهد" وزرها، عن حسن أو سوء نيّة، وسط عيونٍ "مفتوحةٍ" على ما تبقّى من الولاية، و"وعودٍ" بتعويض ما فات، أياً كانت الصعوبات ومهما كان الثمن...

"المؤامرة كبيرة"!

بخلاف السنوات الماضية، لم "يحتفل" رئيس الجمهورية بالذكرى السنوية لبداية "العهد"، لا عبر كلمةٍ من وحي المناسبة، ولا من خلال مقابلةٍ تلفزيونيّة يتطرّق فيها إلى المستجدّات، في عادةٍ دأب عليها ولم يخرقها حتى في عزّ "​الثورة​"، التي رأى فيها الكثيرون من المحيطين به جزءاً من "مؤامرةٍ" تستهدفه بشكلٍ مباشر.

ثمّة الكثير من "الموانع" التي جعلت عون يغيّر عادته السنويّة هذه، أولها أنّ الانكباب منصبٌّ حالياً على استحقاق تشكيل ​الحكومة​، والكلام مؤجَّلٌ إلى ما بعده، أو بناءً على ما يستجِدّ من تطوّراتٍ على خطّها، وثانيها، وهو الأهمّ ربما، أنّه سبق أن أدلى بما لديه من كلامٍ مُباح كان يخبّئه للذكرى، عشيّة ​الاستشارات النيابية​ المُلزِمة، يوم توجّه بخطابٍ عالي السقف إلى ممثّلي الشعب، تطرّق فيه بالتفاصيل المملّة إلى كلّ ما يعترض عهده من صعوباتٍ ومعوّقات.

يعتبر "العونيّون" أنّ هذا الخطاب شكّل "خريطة طريق" للمرحلة المقبلة، بكلّ ما للكلمة من معنى، وقد اختصرها رئيس الجمهورية بعبارته الشهيرة "قلت كلمتي... ولن أمشي"، التي انتشرت بسرعة البرق، وتحوّلت إلى ما يمكن تسميته بـ"شعار المرحلة"، علماً أنّ أنصار الرئيس "يتحسّرون" اليوم وهم يتفرّجون على حملات "الشماتة والسخرية" على وسائل التواصل من "العهد"، وصولاً إلى حدّ "حماسة" البعض لـ"الكوارث" التي تقع، باعتبار أنّها ستُسجَّل "على عهد ميشال عون"، وفق ما يقولون.

يكفي هذا السلوك، برأي "العونيّين"، للتأكيد أنّ "المؤامرة" التي واجهها الرئيس ولا يزال، "كبيرة"، بمُعزَلٍ عن مدى اقتناع شريحةٍ واسعةٍ من اللبنانيّين بفرضيّة "المؤامرة" التي باتت "أسلوب حياة" يعتمده الكثير من السياسيّين لتبرير سقوطهم وفشلهم. يقولون إنّهم لطالما تصدّروا رافضي "نظرية المؤامرة" ولا يزالون، إلا أنّ "المؤامرة على العهد" ليست مجرّد "فرضيّة"، وقد عاينها ​اللبنانيون​ عن قُرب، علماً أنّ "الكوارث" التي ارتأى البعض "تفجيرها" دفعةً واحدةً في وجه "العهد"، ليست سوى نتاج تراكماتٍ طويلةٍ من السياسات التي حاربها رئيس الجمهورية من مواقعه السابقة، يوم كان الآخرون من "السياديين والاستقلاليين" يطبّعون معها، بوصفها أمراً واقعاً لا مفرّ منه، ويسعون اليوم لتحميل وزرها لـ"العهد".

إلى الأمام!

عموماً، يدرك "العونيّون" أن ​سياسة​ "البكاء على الأطلال" لا تنفع اليوم، خصوصاً أنّ من الانتقادات التي تُوجَّه للعهد، والتي تبدو مُحِقّة في جانبٍ منها، أنّه لم يلجأ إلى المواجهة، سوى وفق قاعدة أنّ "من يحاربني ليس أفضل منّي"، حتى أنّ عبارة "ما خلّونا" أصبحت "مرادفاً" لتنصّل "العهد" من مسؤولياته، على رغم ما تنطوي عليه من إعلان "استسلامٍ وعجزٍ" أمام الآخرين.

لذلك، يعتقد هؤلاء أنّ "فرصة العهد" قد تكون في ما تبقّى من "الولاية الرئاسية" ل​تحقيق​ الوعود التي تعهّد بها عون يوم وصل إلى قصر بعبدا، بتسليم لبنان بعد انتهاء عهده "أفضل ممّا كان" بالحدّ الأدنى، وهو ما سيتطلّب منه جهوداً مُضاعَفة في الأشهر المقبلة، رغم كلّ الصعوبات والتحديات التي لم تنتهِ فصولاً، بل تفاقمت، علماً أنّ كثيرين من هؤلاء ينظرون بعين "الريبة" لعودة ​سعد الحريري​ إلى ​السلطة​، باعتبار أنّه قد لا يشكّل عاملاً مساعداً، بل قد يقيّد من الطموحات إلى حدّ بعيد، بالنظر إلى "خطوطه الحمراء" الكثيرة.

ولعلّ في هذا التفصيل ما يبرّر "التريّث"، أو "التأنّي"، الذي طرأ على خطّ ​تشكيل الحكومة​ بعد موجة "التفاؤل المفرط" التي طبعت الأيام الأولى ما بعد التكليف، خصوصاً أنّ المحيطين بعون يدركون أنّ هذه الحكومة قد تكون الأخيرة في العهد، ولو أصرّ الحريري على القول إنّ "مدّتها محدودة" ببضعة أشهر، علماً أنّ التغيير الدائم بالحكومات هو من العوامل التي "حاصرت" العهد "العونيّ" بشكلٍ كبير، بعدما أظهرت الأحصائيات أنّ أكثر من سنةٍ كاملةٍ منه ضاعت على حكومات "تصريف أعمال"، ومفاوضات ​تأليف​، ومحاصصات، وما شابه ذلك.

لكنّ الطموح "العونيّ" المشروع هذا بـ "تعويض ما فات" يُجابَه بسلسلة من "التحفّظات" لدى العديد من الحلفاء والخصوم، باعتبار أنّ شيئاً لم يتغيّر، حتى يصبح ما كان "محظوراً" بالأمس "مُتاحاً" اليوم، علماً أنّ "العونيّين" أنفسهم، برأي هؤلاء، لم يقدّموا النموذج المرتجى في ​القيادة​، وبدل أن يجرّوا الآخرين إلى مبادئ "الإصلاح والتغيير" التي لطالما رفعوها، انجرّوا هم إلى منطق "شو وقفت عليّي" المُعتمَد من قبل "النخبة" السياسيّة في البلاد منذ الأزل، وخير دليلٍ على ذلك تعطيلهم لحكوماتٍ كاملة كرمى لعيون وزيرٍ من هنا، أو حليفٍ من هناك.

"المكتوب يقرأ من عنوانه"؟!

مع دخول "العهد" عامه الخامس، لا "بشرى" جدّية بأنّ القادم سيكون أفضل من الزائل، ليس لأنّ البلاد تواجه أزماتٍ سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة متفاقمة، ولا لأنّ الطريق نحو "جهنّم" التي حذر منها عون نفسه باتت "معبَّدة"، ولكن لأنّ "قواعد اللعبة" التي تحكّمت بثلثي العهد لا تزال هي هي، من دون أيّ تغييرٍ يُذكَر.

قد لا يكون فريق "العهد" وحده المُلام، فالخصومات السياسية والنكايات الشخصية التي غلّبها معظم الأفرقاء على المصلحة الوطنية، لعبت دورها في المحاصرة والتقييد والتكبيل، وجعلت من شعار "ما خلّونا" أمراً واقعاً، شاء من شاء وأبى من أبى، وسواء وُجِدت "الإرادة" أصلاً أو انعدمت، وهو ما لم يعد خافياً على أحد.

لكن، في النتيجة، يبقى "العهد" الذي استبشر به الكثيرون خيراً، لم ينجز الكثير، أو ربما لم يُسمَح له بالإنجاز، كما يحلو لـ "العونيّين" القول، في إقرارٍ ضمنيّ بأنّ ما تحقّق لا يلاقي الطموحات، ما يتطلّب تغييراً هائلاً في المقاربة، حتى لا يترحّم اللبنانيون في السنتين الباقيتين من العهد على ما سبقهما من سنوات "صعبة".

وإذا كان "المكتوب يُقرأ من عنوانه"، فإنّ "عنوان" السنة الخامسة من العهد لا يبدو "مبشّراً"، مع "تعقّد" ​الولادة​ الحكوميّة، وفقاً للعقد القديمة-الجديدة نفسها، القائمة على "لعنة" ​المحاصصة​ والطائفيّة، وذلك حتى يثبت العكس، إن أراد أحد إثباته أصلاً...