بعد فرض ​وزارة الخزانة الأميركية​ عقوبات على رئيس "​التيار الوطني الحر​" النائب ​جبران باسيل​، نجح الأخير في فرض معادلات جديدة لن يكون من السهل على ​واشنطن​ تجاوزها، بالنسبة إلى مصداقيّة هذه الأداة التي تستخدمها على الساحة ال​لبنان​ية، للتأثير على حلفاء "​حزب الله​".

في الأيام الماضية، سعى المسؤولون الأميركيون إلى وضع هذه العقوبات في إطار شبهات فساد تدور حول رئيس "التيار الوطني الحر"، من دون أن تقدّم أي دليل على ذلك، بينما هو في سياق خطّة المواجهة عمد إلى قلب الطاولة ووضعها في إطار الضغوط عليه لدفعه إلى فك الإرتباط بين التيار والحزب.

في الوقت الراهن، بات من الواضح أنّ باسيل ذهب إلى متابعة هذه القضية على الصعيد القانوني، عبر المحاكم في ​الولايات المتحدة​، إلا أنّ ما ينبغي التوقّف عنده هو إضطرار ​السفيرة الأميركية​ في ​بيروت​ ​دوروثي شيا​ و​وزير الخارجية​ الأميركية ​مايك بومبيو​، للردّ على ما تقدم به رئيس "التيار الوطني الحر" في مؤتمره الصحافي الماضي حول أسباب فرض العقوبات عليه.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن باسيل يملك، بالرغم من صعوبة المسار القانوني الذي سيذهب إليه، ورقة قوّة في مواجهة إدعاءات واشنطن، تكمن بأن ​العقوبات الأميركية​ لم تشمل سابقاً أيًّا من حلفاء الولايات المتحدة في لبنان، بالرغم من أنّ حجم الشبهات التي تدور حولهم أكبر من تلك التي تدور حول رئيس "التيار الوطني الحر".

من وجهة نظر هذه المصادر، يستطيع باسيل التمسّك بالرواية التي قدّمها طالما أنّ الولايات المتحدة لم تذهب إلى تقديم أيّ دليل على إتهاماتها من جهة، ولم تقدم على معاقبة أيّ من حلفائها تحت العنوان نفسه من جهة ثانية، وبالتالي هي تستخدم شبهة ​الفساد​ ل​تحقيق​ أهداف ​سياسة​ واضحة على الساحة المحلّية، على عكس ما تدّعي بأنّ هدفها خدمة ​الشعب اللبناني​.

بالنسبة للمصادر نفسها، الرواية المقدّمة من رئيس "التيار الوطني الحر" هي الأكثر تماسكاً، على الأقل حتى الآن، إنطلاقاً من المبدأ القانوني القائل "البيّنة على من ادّعى"، إلا إذا كان المطلوب هو إطلاق الإتّهامات فقط في سياق مساعي تشويه سمعة باسيل بهدف إغتياله سياسياً، بحسب ما أعلن هو نفسه، الأمر الذي من الممكن أن يستفيد منه في المرحلة المقبلة بأكثر من طريقة، لا سيما على المستوى الشعبي.

وفي حين تلفت المصادر المتابعة إلى ضرورة إنتظار المسار الذي ستسلكه الإدارة الأميركيّة ​الجديدة​ ب​رئاسة​ ​جو بايدن​، في ما يتعلق بسياسة العقوبات على الساحة اللبنانية، تشير إلى أنه، في حال قررت الإستمرار في النهج نفسه، عليها القيام بالعديد من الخطوات العمليّة، نظراً إلى فقدان هذا ​السلاح​ لمصداقيته، بغض النظر عن الموقف من رئيس "التيار الوطني الحر"، مع العلم أنّ التسريبات الأولّية توحي بأنها مستمرّة لكن بإطار مختلف يقوم على التعاون مع حلفائها التقليديين في ​الإتحاد الأوروبي​.

وبالتالي، تعتبر المصادر نفسها أن باسيل قادر على إستثمار هذه العقوبات على مستوى العلاقة مع "حزب الله"، الذي سيكون مضطراً إلى التعاون معه على نحو أبعد في الملفّات الداخليّة، وأيضاً على المستوى الشعبي في الساحة ​المسيحية​، بعد أن وضع العقوبات في سياق إستهداف الوجود المسيحي في لبنان، بعد ما تعرّض له المسيحيّون في ​سوريا​ والعراق في السنوات الماضية.

في المقابل، تشير هذه المصادر إلى أنّ واشنطن قادرة على إعادة تفعيل هذا السلاح، في سياق محاولة إستعادة مصداقيّته، من خلال فرض عقوبات على شخصيّات تدور في فلكها، إلا أنّها ترى أنّ ذلك يفترض استعدادها للمخاطرة بالتخلّي عن بعضهم لتحقيق هذا الهدف بالدرجة الأولى، وأن تكون هذه السياسات هي النهج المعتمد في السنوات المقبلة، على الأقلّ حتى موعد ​الإنتخابات النيابية​، بالدرجة الثانية.

في المحصّلة، لم تحرج العقوبات الأميركية رئيس "التيار الوطني الحر"، بل هو نجح في إعادة الكرة إلى ملعب واشنطن بطريقة أو بأخرى، الأمر الذي يجب أن يدفعها للبحث في الخطوة التالية، في حال كانت راغبة بالإستمرار في نفس النهج.