كثرت الأقاويل خلال الأيّام القليلة الماضية عن إحتمال قيام الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، بإعطاء الأوامر للجيش الأميركي بشنّ عمليّات عسكريّة وضربات أمنيّة مُحدّدة، ضُدّ أهداف في ​إيران​ أو ​سوريا​ أو أي مكان آخر، قبل حُلول موعد تسليمه السُلطة للرئيس المُنتخب ​جو بايدن​ في 20 كانون الثاني المُقبل، بغضّ النظر عن النزاع القانوني القائم في واشنطن حاليًا، في مُحاولة من ترامب لقلب نتيجة الإنتخابات، بحجّة حُصول عمليّات تزوير واسعة فيها، خاصة عبر الأصوات التي جاءت عبر البريد الإلكتروني والتي لم يتمكّن المَندوبون من مُتابعتها(1). فهل هذه الأقاويل تستند إلى أرضيّة جدّية ومُقنعة، أم أنّها مُجرّد إشاعات مُثيرة لا أكثر؟.

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه جرى أخيرًا الترويج لسيناريوهات صدام عدّة، تتضمّن قصفا لأهداف هنا وتنفيذًا لإغتيالات هناك، ونال ​لبنان​ حصّته من هذه التكهّنات في الحديث عن إنفجارات مُحتملة وحتى عن إغتيالات ضُدّ شخصيّات أساسيّة. والسيناريو الإقليمي الأكثر إثارة تحدّث عن نيّة ​إسرائيل​يّة بتوجيه ضربة عسكريّة ضُدّ المُنشآت النووية وقواعد الصواريخ الباليستيّة في إيران، بغطاء من إدارة ترامب، على أن يتورّط ​الجيش الأميركي​ في الصدام من قواعده في المنطقة، بمجرّد قيام إيران بالردّ بضرب إسرائيل وباستهداف مجموعة من القواعد والمراكز العسكريّة الحسّاسة والإقتصاديّة–النفطيّة الحيويّة، في كامل منطقة ​الخليج​.

وأنصار هذه السيناريوهات ينطلقون من توقّعاتهم من حقيقة أنّ الرئيس المُنتهية ولايته ترامب، لم يعد يملك ما يخسره، ومصلحته في تفجير الوضع مع إيران تلتقي مع مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ الذي يبحث عن مخرج يُنقذه من مشاكله الداخليّة. وبحسب هؤلاء المُحلّلين، إنّ ما يؤكّد تحضير ترامب لضربات تُفجّر الوضع، يتمثّل بإقالته وزير الدفاع ​مارك إسبر​ قبل أسابيع من إنتهاء ولايته الرئاسيّة، وإستبداله بالسيّد كريستوفر ميلر كوزير للدفاع بالوكالة، علمًا انّ هذا الأخير لا يملك خلفيّة مهمّة تخوّله إستلام هذا المنصب الحسّاس، وهو مِمّن يؤيّدون ترامب في كل سياساته ومن دون جدال. وتحدّث هؤلاء عن قيام واشنطن بنقل طائرات هُجوميّة متُطوّرة، وكميّات كبيرة من الذخائر إلى القواعد الأميركيّة في الشرق الأوسط، بالتزامن مع إجراء إتصالات أميركيّة مع جهات عسكريّة في المنطقة، تمهيدًا لإطلاق أعمال عسكريّة مُفاجئة ضُدّ إيران.

في المُقابل، أكّد مُحلّلون آخرون أنّ كل هذه السيناريوهات لا تستند إلى أيّ إثباتات، بل إلى مُجرّد إشاعات وتقارير إعلاميّة غير واقعيّة. وبحسب هؤلاء إنّ دُخول الجيش الأميركي في مُواجهة كُبرى مع إيران يحتاج إلى تفويض من ​الكونغرس الأميركي​، وإلى تحضيرات عسكريّة ميدانيّة تستغرق أسابيعَ عدّة على الأقلّ، وهو ما لا يُمكن أن يحصل في هذه المرحلة، خاصة من دون وُجود أيّ أسباب مُقنعة لذلك، حتى لوّ إستخدم ترامب الفيتو الرئاسي ضُد أي قرار عرقلة بمواجهة خُططه. وبرأي هؤلاء المُحلّلين إنّ ترامب الذي يبحث عن الإثارة الإعلاميّة، لا يريد أصلاً الدُخول في حرب مع إيران، لكنّه يريد إفشال أيّ مُحاولة مُستقبليّة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء على صعيد "الملفّ النووي"، أي أنّه يريد زرع الألغام أمام أيّ مُحاولة من جانب الديمقراطيّين لإعادة إحياء التفاهم السابق مع إيران.

وإذ لم يَستبعد هؤلاء المُحلّلون أن يلجأ ترامب إلى ضربة أمنيّة سريعة، على غرار عمليّة إغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، إعتبروا أنّ السيناريو الأكثر ترجيحًا ليس أمنيًا، بل هو عبارة عن مَوجات مُتتالية من العُقوبات الأميركيّة التي ستُفرض على إيران، وكذلك ضُدّ جهات مَحسوبة على "محور المُقاومة والمُمانعة" في المنطقة ككل، أي في سوريا ولبنان و​اليمن​ وغيرها. وأوضحوا أنّ العقوبات على إيران ستنقسم إلى شقّين، أحدهما سيطال كل ما له علاقة بإنتاج الصواريخ الباليستيّة، حيث أنّ هذه الصواريخ هي الهدف الأميركي–الإسرائيلي المُشترك في المرحلة المُقبلة، والشقّ الثاني سيطال كل عمليّات التبادل التجاري بين إيران والدول المحيطة، بهدف زيادة الخناق على النظام الإيراني وتقليب شعبه ضدّه. ورأت هذه الفئة من المُحلّلين أنّ العُقوبات هي سلاح أميركي لا يُمثّل حزبًا دون سواه، أو رئيسًا دون سواه، حيث أنّ الحزبين الجمهوري والديمقراطي كانا توافقا على تبنّي معايير مُحدّدة لفرض العُقوبات، من دون قُدرة أيّ جهة منهما على إلغائها بشحطة قلم، الأمر الذي سيؤثّر سلبًا على أي مُحاولة مُستقبليّة من جانب الإدارة الأميركيّة الجديدة للعودة إلى "الإتفاق النووي".

في الخُلاصة، إنّ حُصول مُواجهة عسكريّة كبرى في المنطقة مُستبعد جدًا، لكنّ سياسة الضُغوط والعُقوبات القاسية والمُتوالية، ستُبقي المنطقة ككلّ في حال غليان، ومَفتوحة على كلّ الإحتمالات في المُستقبل.

(1) ستخضع الطُعون المُتعدّدة المُقدّمة من جانب فريق ترامب للبت من قبل أكثر من مرجع بشكل تصاعدي، أي على مُستوى محاكم الولايات، ثم المحاكم الفدراليّة وُصولاً إلى المحكمة العليا، وهذا امر سيستغرق وقتًا قبل وُضوح الصُورة النهائيّة.