ثبّت المشهد ال​لبنان​ي معادلتين واضحتين: نجاح قوى أمنية في تنفيذ قرار ​الإقفال​ لتفادي مزيد من ​الإصابات​ جرّاء فايروس ​كورونا​، وسقوط قوى سياسية في فخ تعطيل التأليف الحكومي.

كانت ​قوى الأمن الداخلي​ تنجح في مهامها لتنفيذ قرار الإقفال، وتنفّذ الخطة الرسمية بحذافيرها. لم يشهد لبنان إجراءات أمنية ناجحة سابقاً بهذا الحجم. كان الأداء الأمني مميّزاً بشهادة جميع اللبنانيين، الراضين والرافضين لطبيعة قرار الإقفال. يمكن رصد الأداء الامني على كل طرقات لبنان، بينما كانت ​البلديات​ تُكمل المسار الأمني بفرض الإقفال.

لا يعني ذلك أبداً أن القرار الحكومي هو قرار حكيم او سليم، ولايمكن تبرئة الحكومة من التداعيات السلبية لهكذا قرار لا يخدم الهدف الصحي، وهو يضيف أزمات إقتصادية ومعيشية على الأزمات القائمة. هنا تتحمّل الحكومة مسؤولية قرار يحدّ نسبياً من إنتشار فايروس كورونا، لكنه يرفع من حجم الآلام المعيشية. لا يُمكن تبرئة المواطن نفسه من المسؤولية الأساسية في زيادة تمدد الفايروس، بغياب الإجراءات الشخصية الرادعة. فلو كان ​اللبنانيون​ على قدر المسؤوليتين الوطنية والإنسانية في فرض تدابير ذاتية في ​الوقاية​، لكانت أعداد الإصابات أقل مما هي عليه الآن.

يُصبح هنا واجب ​القوى الأمنية​ التصرف بفعالية لتنفيذ قرار ​الحكومة اللبنانية​، وهو ما نجحت به تلك القوى من دون أي تقصير. لكن ماذا بعد إنقضاء مهلة الإقفال؟.

فلننتظر، إذا بقيت حكومة ​تصريف الأعمال​ تتخذ قرارات عشوائية، عندها ستزداد آلام اللبنانيين. لكن القوى السياسية هي تتحمّل مسؤولية بقاء تلك الحكومة بغياب حكومة أصيلة. فإلى متى يبقى التعطيل قائماً؟.

إذا كان كلُّ فريق سياسي، خصوصاً على خط رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ ورئيس التيار "الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​، يحمّل مسؤولية تأخير ولادة الحكومة العتيدة للآخر، فأين الحقيقة؟ إهتمام اللبنانيين ليس هنا، بل إن الهموم محصورة في تداعيات تعطيل التأليف: تنخفض يومياً قيمة العملة الوطنية، بشكل ينعكس سلباً على كل يوميات اللبنانيين. فإذا إستمر إرتفاع ​سعر الدولار​ أمام ​الليرة​ فإن الصرخة سترتفع. لقد صار واضحاً أن جزءاً اساسياً من أسباب تدهور سعر العملة الوطنية هو ​الأزمة​ السياسية المرتبطة ب​تأليف الحكومة​ ​الجديدة​.

تسقط القوى السياسية في إمتحان التأليف، وكأن البلد بخير، أو أن ​الإقتصاد​ معافى. وإذا صحّ أن التأليف لن يحصل قريباً لأسباب داخلية وخارجية، فإن أزمات اللبنانيين ستتراكم بشكل لا يمكن بعده إعادة البلد إلى الإنتعاش. اساساً، المطلوب من الحكومة العتيدة وقف الإنهيار.

إزاء الفشل السياسي اللبناني تُصبح كل السيناريوهات قائمة. إذا كانت نجحت القوى الأمنية الآن بتطبيق ​الخطة الحكومية​ في الإقفال، فإن اللبنانيين سيتمردون لاحقاً على أي قرار مشابه في ظل تدهور أوضاعهم الإقتصادية والمعيشية. عندها لن يكون بمقدور القوى الأمنية ضبط الساحة ولا فرض تنفيذ أي إجراءات مهما كان حجمها وأسبابها.

لا يوحي أي معطى أن ولادة الحكومة ستكون قريباً، لكن اليقينيات لا تتواجد في لبنان، مما يعني إمكانية الوصول إلى حلول سياسية في أي وقت. الاّ إذا صحّت فرضية ان الأميركيين يمنعون ولادة حكومة لبنانية طبيعية، ويريدونها بحسب مواصفاتهم، بعيداً عن مشاركة "​حزب الله​" بشكل مباشر او غير مباشر، تحت طائلة فرض ​عقوبات​ جديدة.

هنا يُصبح إنتظار محطة فاصلة: نهاية ولاية الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ وتسلّم إدارة الرئيس المنتخب ​جو بايدن​ مهام ​البيت الابيض​، وما سيحمله من سياسات مغايرة لإدارة سلفه.