لا شك في أن اليأس من الوضع المنهار على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يشرّع الأبواب للثورة عليه وعلى عقم المعالجات الجارية وعلى الالتفاف على أي محاولة أو مبادرة إصلاحية لإجهاضها في مهدها في حالة من الفوضى غير المسبوقة. ولكن هذه الحالة الفوضوية التي تجعل بنتائجها من الثائر والمعارض والمعترض، شريكَ مَن في ​السلطة​ باستمرار التدحرج السريع نحو الهاوية، تؤدي في النهاية الى الموت المحتّم وزوال الوطن و​الدولة​. وما ​الفائدة​ عندئذ من السلطة والمعارضة و​الثورة​؟! فالحالة الرافضة للوضع الراهن، إنْ لم تنتج رؤية تتضمن حلولاً عملانية وواقعية وخطوات إنقاذية، تتحول إلى مادة لصراع عقيم يستغله بعض الوصوليين ممن هم في السلطة والمعارضة على السواء لمنع التغيير الجدي والمحاسبة الفعلية. أما وصفة الموت السريع فهي:

1- تهديم المؤسسات العامة والخاصة من خلال الخلط بين السعي إلى إصلاحها وتغيير سياساتها باقتراحات وأفكار محددة وأشخاص يجمعهم الهدف الواحد، لا حب السلطة أو الطائفة أو المصلحة، وبين تحويلها إلى هدف لقصف عشوائي مدمّر يلغي إمكانية قيامها ويخفي الفساد الذي ضربها بشطب معالمه وأسبابه وأربابه وحتى أشخاصه.

2- شيطنة أي محاولة أو مبادرة للتفاهم على تصور إنقاذي لقضايا كيانية ومصيرية بالشكل قبل البحث في المضمون أو حتى الحوار حوله، ما يؤدي الى إضاعة فرص نادرة يحتاج إليها ​لبنان​ ويلغي أي إمكانية للمعالجة. 3- تعميق عزلة لبنان الدولية بالالتفاف على الإصلاحات المطلوبة منذ التسعينات، وتجاهل ​الوضع المالي​ للمغتربين والمستثمرين اللبنانيين بودائعهم وأوضاعهم المعيشية المتردية بعد حجز ودائعهم في ​المصارف اللبنانية​، وعدم الالتفات الى هذا الموضوع إلا من زاوية التخفيف من التزامات الدولة و​القطاع المصرفي​ على حساب هيبتهما وثقة ​العالم​ بهما.

ويبقى ​تشكيل الحكومة​، حكومة مهمتها الإصلاح، جسر العبور الوحيد الذي ما يزال قائماً حتى إشعار آخر من العزلة ومرحلة الانهيار السريع إلى بداية الخروج منهما، إذا ما تم التعامل مع هذا الاستحقاق على هذا الأساس، وهذا الأمر بحاجة الى ثورة من نوع آخر، ثورة الرؤساء على حسابات السلطة وأحزابها وطوائفها، ثورة ​المجتمع المدني​ على الطارئين والوصوليين والحاقدين على كل شيء، ثورة العقل والمعرفة على الحقد والجهل والفشل، ثورة النواب على التراخي والأنتظار وتهويل السلطة التنفيذية لمنع الرقابة الفاعلة وتعطيل التشريع الهادف الى ​مكافحة الفساد​، ثورة الأمل على تعميم اليأس و​العجز​ والفساد، ثورة العدالة على اللاعدل، والالتفاف حول المحاسبة والشفافية وحق الوصول إلى المعلومات بدل التعمية على ذلك من خلال إغراق البلاد والمجتمع بالشعبوية وبتهم الفساد من دون بيّنة أو قضاء، وأخيراً، وباختصار، ثورة على... الذات!