لا يختلف اثنان على ان الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ هو الرئيس الاكثر جدلية الذي مرّ على تاريخ ​الولايات المتحدة​، وكثيرون رأوا انه كان سيصلح تماما لتقاسم النفوذ بشكل كبير في المعترك اللبناني فيما لو قدّر له دخول هذا المجال. ولكن، مع اصراره على انه لم يخسر الانتخابات الرئاسية، وان الرئيس المنتخب ​جو بايدن​ "سرق" الفوز عبر طرق الاحتيال، خلق ترامب ازمة كبيرة في الشارع الاميركي، بسبب افكاره واقواله وطريقة تصرفاته. من الطبيعي ان يسود انقسام موقت لدى الرأي العام الاميركي بعد انتهاء كل عملية انتخابية رئاسية، حيث ينقسم الاميركيون بين جمهوري وديمقراطي، ولكن فترة هذه الانقسام سرعان ما تزول حدتها بعد اشهر قليلة على تسلم الرئيس الجديد او المجدّد له مقاليد السلطة رسمياً، وحتى في حال طالت هذه الفترة فإنها تعود الى طبيعتها المتوقعة اي الانقسام السياسي المحض الذي يتم من خلاله تبادل السلطة والادوار والمناصب الرسمية.

ولكن اليوم، تمّ توجيه اصابع الاتهام الى ترامب في ما هو اخطر من ذلك بكثير، وهو انهزرع في عقول مؤيديه من الاميركيين نزعة غير محبّذة تميل الى العنف والى الاصطدام مع الآخر بكل الطرق المتاحة، بما فيها السلاح. من هنا، لم يتردّد الكثيرون في اعتبار الانفجار الذي هزّ ولاية تينيسي الاميركية على انه موجّه من مؤيّدي ترامب الجمهوريين ضدّ مواطنيهم من الحزب الديمقراطي. وسارع مؤيدو هذه النظرية الى الارقام لدعم فكرتهم، اذ ان الانفجار استهدف "​ناشفيل​" في الولاية، وهي المدينة التي اعطت اصواتها الى بايدن (64،5%) مقابل (32،4%) كسبها ترامب، علماً ان اصوات الولاية بشكل عام قد صبت في مصلحة ترامب بنسبة (60،7%) مقابل (37،4%) لبايدن. ولكن هذه النظرية لم تكن كافية لاقناع الغالبيّة بأن ترامب عمل فعلاً على تحفيز الاميركيين على استسهال لغة العنف المفرط، كعمليّة التفجير بدلاً من استعمال الفردي (وهو أمر طبع ايضاً ولاية ترامب). وبعد نحو اربعة ايام على حصول الانفجار، استبعد مكتب التحقيق الفدرالي FBIأي توجه ارهابي رغم هول الانفجار وقوّته، مستنداً الى عدم وجود دلائل او معطيات او معلومات استخباراتيّة على نشاط ايّ خلية او مجموعة ارهابية محلية او خارجية في هذه المدينة، ناهيك عن ان الخسائر البشرية كانت قليلة نسبة الى قوّة الانفجار اذ لم يسفر عن وفاة ايّ شخص فيما اصيب ثلاثة اشخاص فقط. ويحتار عملاء المكتب الفدرالي والمحقّقون في السبب الّذي دفع من يقف وراء العمليّة، الى توجيه انذار الى الناس قبل اكثر من نصف ساعة وعبر رسالة مسجّلة، الى وجوب الابتعاد عن المكان حفاظاً على حياتهم، وهو ما حصل فعلاً وانقذ ارواحاً كثيرة.

هذا الامر إن دلّ على شيء، فعلى أنّ المسألة غير مرتبطة ب​الارهاب​، كما أن أي منظمة لم تتحمل مسؤولية هذا الحادث. ويعتبر المحققون ايضاً انه في حال كان الهدف احداث انشقاق بين المواطنين الاميركيين لدفعهم الى التصادم بين بعض، فإن فرضية العمل الانتحاري نسفت هذه النظرية من اساسها، لان من يقوم بمثل هذا النوع من التفجيرات غالباً ما يقوم به من اجل معتقدات ايمانيّة عميقة أكانت دينيّة او يعاني من اضطرابات نفسيّة. كل هذه المؤشرات تفيد بأنّ المنحى لم يصل بعد الى حدّ يمكّن من القول بأن اميركا باتت على مشارف حرب أهليّة وان بشائرها بدأت عبر تفجير ناشفيل، بل يشير الى ان الشرخ القائم لا يزال مهماً وقوياً، لكنه لن يؤدّي الى تضحية الاميركيين ببلدهم من أجل شخص، فالعقليّة العربيّة لم تنتشر بعد هناك، والعقليّة الاميركية السائدة لا يمكن ان تذهب الى هذا الحدّ، وهو أمر مثبت على مدى العقود الزمنيّة التي مرّت بعد الحرب الاهلية الاميركية، على الرغم من ان الصراع العرقي يبقى أبرز التنحديات التي يواجهها الشعب الاميركي.