يسوع المولود هو رئيس السّلام، الذي أتى إلى ​العالم​ ليُصالح الجميع، البعيدين والأقربين، المتخاصمين مع الله ومع إخوتهم (أف2: 14)، وليبني عالماً يليق ب​الإنسان​ المخلوق على صورة الله ومثاله(تك1: 27)، والمدعو للخلاص.

عندما يستعمل ​الكتاب المقدس​ كلمة "سلام" "shalòm" الجميلة، يعني بذلك "الوفرة والإزدهار والرّفاهية".

أتى يسوع لكي يُعطي السّلام، ليؤسّس عالماً جديداً تسوده ​المحبة​ والعدالة والحرية والحقيقة. عالماً يعرف الوفرة، فلا يجوع أحد. والإزدهار، فلا يتقهقر أحد. والرّفاهيّة، فلا يتعسّر ويفتقر أحد. والهدوء، والطمأنينة، فلا يضطرب ولا يخاف أحد. وفي هذا العالم المرجوّ " يَسكُنُ الذِّئبُ مع الحَمَل وَيربِضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ ويَعلِفُ العِجلُ والشِّبلُ معاً وصَبِيٌّ صَغيرٌ يَسوقُهما"(أش11: 6).

وأتى يسوع، ليُصالح الإنسان مع الله، بعدما تمرّد عليه بفعل الخطيئة. ومع نفسه بعدما فقد سلامه الداخليّ بفعل الخطيئة التي بلبلته. ومع أخيه الإنسان بعد انفصل عنه بفعل الخطيئة نفسها.

ولكن السّلام لا يحلّ في العالم بشكلٍ سحري، وإنّما يُصنع بالتعاون مع رئيس ​السلام​، وصُنّاعُه هُم الذين تتلمَذوا على يدي الرّب، وقبلوا سلامه، وتشبّهوا به في حياته، وموته، وقيامته. قال يسوع لتلاميذه:" أَلسَّلامَ أَسْتَودِعُكُم، سَلامِي أُعْطِيكُم. لا كَمَا يُعْطِيهِ العَالَمُ أَنَا أُعْطِيكُم. "(يو14: 27). وقال لهم أيضاً:"طوبى للسّاعين إلى السّلام، فإنّهم أبناء الله يُدعَون"(متى5: 9).

سلام ​المسيح​ هبة مجّانية نقبلها منه، حتى إذا ما سكنت فينا تسود من خلالنا في العالم: "فلا يُسيئونَ ولا يُفسِدون في كُلِّ جَبَلِ قُدْسي لِأَنَّ الأَرض تَمتَلِئُ مَعرِفَةِ الرَّبّ كما تَغمُرُ المِياهُ البَحر.(أش11: 9). آمين

ويَحكُمُ لِبائِسي الأَرض بِالِإستِقامة

رئيس السّلام الذي يتكلّم عن أشعيا، لا يحكم حُكم رؤساء الأرض للأرض، بل يحكم لبائسي الأرض ب​العدل​ والإستقامة(أش11: 4). يسوع هو رئيسٌ وقاضٍ؛ ولكن "لا يَقْضي بِحَسَبِ رُؤيةِ عَينَيه"(أش11: 3أ)، فلا يُحابي الوجوه، ولا ينخدع بالمظاهر الخارجيّة، بل ينظر إلى الباطن، لأنّه يعرف القلب ونيّاته كونه وحده فاحص القلوب والكِلى، وأمامه تتكشّف حقيقة كلّ إنسان.

"ولا يَحكُمُ بِحَسَبِ سَماعِ أُذُنَيه"(أش11: 3)، فلا يقبل الوشاية من أحد على أحد. ومن علامات حكمه، إحقاق الحقّ لبائسي الأرض المُعذّبين بنفوسهم وأجسادهم؛ أولئك الذين تلتهمهم نار الحروب والطّمع والجشع،" فيَقْضي لِلضُّعَفاءِ بِالبِرّ ويَحكُمُ لِبائِسي الأَرض بِالِآستِقامة"(أش11: 4).

ولا يحكم ب​العنف​ ولا يُسلّط السيف على رِقاب النّاس، بل يحكم بسيف الكلمة ف "يَضرِبُ الأَرض بِقَضيبِ فَمِه ويُميتُ الشَريرَ بِنَفَسِ شَفَتَيه"(أش11: 1-5)، وهو بالتالي، "لَن يُماحِك ولَن يصيح ولَن يسمع أحدٌ صوته في السّاحات" (متى12: 19)، ذلك أنّ قوّته ليست في ذراعة وسلاحه، بل في فمه، فيسوع كان يُعلِّم "كذي سُلطان" (متى7: 29)، وبقوّة الكلمة الخارجة من فمه، كان يشفي النّفوس والأجساد.

كم هو جميل أن نتعلّم، في هذه الأيام السابقة للميلاد، كيف نسلك سلوك المسيح في العالم، فلا نتوانى عن أن نرحم إخوتنا فلا نؤذيهم في حياتهم وصيتهم وكرامتهم، وأن نعتصم بسلاح الكلمة النّظيفة والبنّاءة، الكلمة التي تُحيي السّامعين، في وجه ألسن البذاءة والقتل التي تفتك بعالمنا، فنكونفماً نقيّاً يُخبر بعظائم مَن نقلنا من الظّلمة إلى النّور.