لا يختلف إثنان على أنّ ​لبنان​ يمرّ في أسوأ مرحلة في تاريخه على مُختلف الصعد، والمُشكلة الأكبر أنّه حتى اليوم لا وُجود لخطة إنقاذ كفيلة للبدء بمُعالجة ​الأزمة​ بشكل تدريجي، عن طريق تشكيل ​حكومة​ محلّ ثقة تحظى بدعم واسع، وتكون أولى مهمّاتها إطلاق برامج الإصلاح والنهوض ومُكافحة ​الفساد​، بالتزامن مع التفاوض مع المُجتمع الدَولي و​الدول المانحة​، لتأمين مُساعدات وقروض مالية عاجلة للبنان، لوقف الإنهيار ولإعادة تحريك ​الدورة​ الإقتصاديّة. وبعض الشخصيات والجمعيّاتوالقوى السياسيّة-ومنها حزبي "​القوات​" و"الكتائب"ومُمثّلي "ثورة 17 تشرين الأوّل" على سبيل المثال لا الحصر، تعتبر أنّ طريق الخلاص يمرّ بإجراء إنتخابات نيابيّة مُبكرة تُعيد إنتاج كامل السُلطة. فهل هذا الأمر مُمكن؟.

أوّلاً: لا يُمكن تنظيم إنتخابات مُبكرة ما لم يتمّ حلّ ​مجلس النواب​، وهذا الأمر غير مُمكن في الدُستور الجديد للبنان سوى عن طريق حلّ المجلس لنفسه. وهذا الخيار غير وارد حاليًا من قبل أغلبيّة الكتل المَوجودة في المجلس، مع التذكير أنّ السُلطة السياسيّة خالفت القوانين بتجاهلها إلزاميّة إجراء إنتخابات فرعيّة غداة إستقالة نوّاب حزب "الكتائب" ومجموعة من النوّاب المُستقلّين، حيث إنقضت مهلة الشهرين المُحدّدة في الدُستور لإجراء إنتخابات فرعيّة.

ثانيًا: يُطالب حزب "القوات اللبنانيّة" بإستقالة نوّاب كتلتيّ"تيّار المُستقبل" والحزب "التقدمي الإشتراكي" إضافة طبعًا إلى نوّاب كتلة "القوّات"، على أمل إحداث الصدمة المَطلوبة التي تفتح الطريق أمام إجراء إنتخابات مُبكرة. لكنّ "المُستقبل" و"الإشتراكي" يرفضان هذا الأمر، خاصة وأنّهما غير مُتحمّسين أصلاً لخوض الإنتخابات وفق القانون القائم حاليًا، علمًا أنّ لا وُجود لأي ضمانة بأنّ إستقالة هذا العدد الكبير من النوّاب، سيُرغم السُلطة على تنظيم إنتخابات جديدة.

ثالثًا: المُعارضون الكُثر لخيار الإنتخابات المُبكرة، يعتبرون أنّ الأسباب التي تحول حاليًا دون تنظيم واحدة جديدة كثيرة، وأبرزها الخلاف على القانون حتى ضُمن الجهات التي تُطالب بالمُبكرة، وعدم وُجود حُكومة أصيلة، وتفشّي وباء ​كورونا​، ووضع ماليّة ​الدولة​ المَهزوز، ناهيك عن أنّ موعد إنتهاء ولاية المجلس الحالي لم تعد بعيدة! ويعتبر "​حزب الله​" مثلاً أنّحلّ مجلس النوّاب لنفسه، سيُدخل البلاد في فراغ خطير وفي الفوضى المُدمّرة، في ظلّ الخلاف على القانون الإنتخابي، أي عمليًا بفعل عدم التوجّه إلى إجراء إنتخابات جديدة بسرعة.

وممّا سبق من الواضح أنّ لا إنتخابات نيابيّة مُبكرة، وكلّ الدعوات التي تدعو إلى ذلك تصبّ في خانة المواقف السياسيّة التي لن يكون لها أيّ ترجمة على الأرض. أكثر من ذلك، بدأت أكثر من جهة تُشكّك من اليوم بإمكان إجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها العادي أصلاً! والحجج والمَخاوف والشُكوك مُتعدّدة، وهذه أبرزها:

أوّلاً: تنتهي ولاية المجلس الحالي في 6 أيّار 2022، والتحضيرات اللوجستيّة يُفترض أن تبدأ عادة قبل عام، أي بعد أربعة أشهر من اليوم، وذلكلتحضير قوائم الناخبين المُنقّحة، ولإعداد الخطة اللوجستيّة للتصويت، ولتعيين هيئة الإشراف على الإنتخابات التي تحتاج إلى حكومة أصيلة لتعيينها. والشرط نفسه ينطبق على بند إضافة ست نوّاب إلى المجلس يُمثّلون ​الإغتراب اللبناني​، ما يَعني أنّ عدم وجود حكومة أصيلة سيحول دون إتمام هذه الشروط، وسيفتح الباب أمام إمكان الطعن دُستوريًا بنتائج تجري في ظلّ حُكومة تصريف أعمال.

ثانيًا: الإنتخابات يُفترض أن تجري في غُضون الستين يومًا التي تسبق إنتهاء ولاية المجلس، ما يعني أنّ إعداد قوائم الناخبين وتعديلها وتطعيمها بالناخبين الجدد الذين سيُسمح لهم بالمُشاركة في عمليّات التصويت بفعل بُلوغ السن القانوني، يفترض أن ينتهي قبل 30 آذار المُقبل، علمًا أنّه من المتوقع أن يزيد عدد الناخبين بما لا يقلّ عن 120000 ألف ناخب جديد.

ثالثًا: إنّ ​شهر رمضان​ لعام 2022 سيمتدّ مبدئيًّا ما بين 2 نيسان و1 أيّار من العام المُقبل، وخلاله لا يُمكن تنظيم الإنتخابات. من جهة أخرى، إنّ تزامن موعد إجراء الإنتخابات البلديّة والإختيارية مع موعد إجراء النيابية، يستوجب تأجيل إحداها، مع ترجيح إرجاء الإنتخابات البلديّة والإختياريّة التي تنتهي مجالسها في أيّار من العام 2022، ما لم يتمّ إرجاء الإستحقاقين معًا!إشارة إلى أنّ تنظيم الإنتخابات النيابيّة يستوجب تحضير ما لا يقلّ عن 7 آلاف قلم إقتراع، لوجستيًا وأمنيًا،وإنتخاب المجالس البلديّة لا يقلّ صُعوبة مع وجود نحو 1040 مجلسًا بلديًا (تضمّ نحو 12000 عُضو)، إضافة إلى آلاف ​المخاتير​ وأعضاء المجالس الإختياريّة.

رابعًا: إنّ رفض "​الثنائي الشيعي​" إجراء الإنتخابات وفق القانون الحالي جدّي، والضُغوط لتغييره بمُساعدة من القوى الحليفة لهما، ولمُحاولة فرض قانون بدوائر أكبر يطغى فيه صوت الأكثريّات المذهبيّة على الأقليّات، ستشتدّ في المُستقبل غير البعيد. في المُقابل، إنّ تمسّك كل من "التيّار الوطني الحُر" و"القوات اللبنانيّة" بهذا القانون هو كبير أيضًا، مع رفض تعديله إلا لما هو أفضل، أي برأيهما، لما يسمح بأن ينتخب المسيحيّون المزيد من مُمثّليهم بأصواتهم. أمّا باقي الكتل الأساسيّة، ولا سيّما "المُستقبل" و"الإشتراكي" فإنّهما مع تغيير القانون، لكن لدى كلّ منهما رؤية مُختلفة عن الباقين بالنسبة إلى القانون الأفضل الواجب إعتماده.

في الختام، لا إنتخابات نيابيّة مُبكرة بالتأكيد، والتشكيك بإجرائها في موعدها أكثر من جدّي وواقعي، ما يستوجب تركيز الجُهود على أن يتمّ تنظيم هذا الإستحقاق الدُستوري في تاريخه المُحدّد، للحفاظ على الأمل بالتغيير بدلاً من إضاعة الوقت في مَطالب لن تتحقّق! يُذكر أنّ الكثير من المُحلّلين يعتبرون أنّ إضعاف بعض الأحزاب والتيّارات جزئيًّا، وإنضمام بعض المُستقلّينوالرموز المُعارضة من المُجتمع المدني إلى ​المجلس النيابي​، في أيّ إنتخابات مُقبلة، لن يُغيّر بالواقع القائم أصلاً، لأنّ التغيير الفعلي يتطلّب تغييرًا في ذهنيّة أكثر من جيل من الشعب اللبناني!.