أثار الخطاب الذي ألقاه البطريرك ​الراعي​ يوم السبت، العديد من ردود الفعل الداخلية بين مؤيد ومعارض؛ بين من يعتبر أن الراعي إنما يحاول أن يؤسس لحركة سياسية تستجلب التدخل الخارجي ضد ​حزب الله​، وأنه يتحدث بخطاب كتبته أقلام 14 آذار،وآخرين يعتبرون أن الراعي إنما يعبّر عن حالة اعتراضية وطنية سئمت حالة إنسداد الأفق السياسي.

وبغض النظر عن هذا الرأي وذاك، لا شكّ أن الراعي يحاول أن يخلق لنفسه حيثية سياسية داخلية، كما كان للبطريرك الراحل ​نصرالله​ بطرس صفير حيثيته السياسية الداخلية والتي لم تتوانَ عن الدخول في المعترك السياسي من بابه العريض.

ولكن الراعي اليوم، ومن موقعه الديني، ومع الأخذ بعين الاعتبار، الظروف الدولية والاقليمية والداخلية في ​لبنان​، يجب أن يقرر أي مشهد للراحل صفير يريد أن يستعيد، وهناك في ذاكرة ال​مسيحي​ين واللبنانيين تاريخين مفصليين في حركة صفير السياسية:

- اللحظة التاريخية الأولى، في أواخر الثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي، حينما غطى صفير بعباءته ​إتفاق الطائف​، وشجع النواب المسيحيين على الذهاب الى الطائف في ​السعودية​ ليوقعوا على إتفاق خسر بموجبه المسيحيين صلاحياتهم ودورهم في النظام. ولم يكتفِ صفير بذلك، بل بارك الإطاحة بالعماد ميشال المتواجد على رأس ​الحكومة​ الانتقالية حينها، ومعلناً "انتهى الكابوس" بعدما وصلت الى مسامعه دخول ​الجيش السوري​ الى ​قصر بعبدا​، ونفي العماد عون الى ​فرنسا​.

- أما اللحظة التاريخية الثانية، فكانت في أيلول من عام 2000، حين أطلق ​المطارنة الموارنة​ بيانهم الشهير وطالبوا بانسحاب الجيش السوري من لبنان. وبالرغم من البيان الشديد اللهجة تجاه وصاية الخارج، حرص نداء المطارنة الموارنة حينها، على التقارب بين اللبنانيين، فأعلنوا في بيانهم "لقد خرجت ​إسرائيل​ من ​جنوب لبنان​، وتركت وراءها مشاكل للبنانيين لا يزالون يعانون منها، وقد خفّف بعضَ الشيء من وطأتها ما أظهره من حكمة من حرّروا ​الجنوب​ بما بذلوه من دماء ذكية في سبيل التحرير، بدافع من حميّة وطنية صحيحة. وقد مهّدوا السبيل للدولة لتبسط سلطتها على جميع أراضيها عملا بالقرار 425 الذي تحرّر الجنوب دون تطبيقه عمليًا. أما حان الوقت لتبسط هذه ​الدولة​ سلطتها فعليا ليشعر الناس بأنهم أصبحوا في حمايتها وليتشجّعوا ويعودوا إلى بيوتهم وعيالهم وأرزاقهم؟". وطمأن البيان أنه " لن يكون فتنة في لبنان، إن لم يعمد أحد إلى إضرام نارها، و​اللبنانيون​ ما اقتتلوا يومًا إلا لأنه كان هناك من يبذر بذور الفتنة في ما بينهم".

وبالعودة الى خطاب الراعي السبت، يجب التنويه الى إن ​الامم المتحدة​ التي يناديها الراعي لتعقد مؤتمرًا من أجل لبنان مكوّنة من دول لها مصالحها وأهدافها وأجنداتها، فما هي أجندة هذا المؤتمر؟ وهل تقبل به الأطراف الداخلية؟ علماً، أن أي قرار خارجي لا يقبل به اللبنانيون كافة سيكون وصفة لحرب أهلية داخلية، موازين القوة فيها ليست في صالح الاطراف التي تؤيد الراعي في طرحه التدويلي.

إذًا، إن الراعي الطامح للعب دور سياسي داخلي، لا بد من أن يحسم أمره، أي تجربة للبطريرك صفير يريد أن يقلّد؟

ومع إعتقادنا بصفاء نيّة البطريرك، نسأل: هل سيسمح الراعي بأن يتغطى بعباءته من يريد دفع البلاد الى إقتتال داخلي مسيحي مسيحي أو الى فتنة مسيحية شيعية؟ أو سيعمد الى تكرار تجربة عام 2000 الناضجة، حين وعى صفير أن الدول لا تبغي سوى مصلحتها وليست جمعيات خيرية وأن على المسيحيين المطالبة بسيادة واستقلال لبنان مع الحرص الشديد على تفاهم اللبنانيين ووحدتهم قبل أي أمر آخر.