لم تنجح ال​حكومة​ الحالية أيام أصالتها. كان يعتقد داعموها أن خيارات وزرائها ستصنع فروقات لبنانية دسمة، ليتبيّن بعدها أنّها الحكومة الأسوأ في ​تاريخ لبنان​ القديم والحديث: لم يعرف اللبنانيون خفّة في أداء وزراء، كما لمسوا في عهد هذه الحكومة. لم تكن قلة الخبرة هي المعيار، بل نوعية معظم الوزراء الآتين من عالم الأكاديمية و"التكنوقراط"، في زمن لبناني يحتاج إلى حنكة لا إلى إجراء تجارب.

أكبر إمتحان واجهته حكومة ​حسان دياب​، كان تسابق وزرائها على الهروب من المسؤولية قبل أن "تُستقال" لتدخل مسار ​تصريف الأعمال​. يومها خرجت شخصيات سياسية من فريق "​8 آذار​" تقدّم النظريات في شأن "سيئات التخلّي" عن تلك الحكومة، لكن تجربة التصريف أثبتت أن خيار الإستقالة أنقذت حُماة الحكومة من الحرج. مثلاً، أين وزير ​البيئة​ والتنمية الإدارية دميانوس قطّار الذي كان يُعتبر "سوسلوف الحكومة"؟ لماذا هرب من تحمّل مسؤولية تاريخية؟ هل أراد الحفاظ على موقعه كمرشح دائم ل​رئاسة الجمهورية​؟ لا يوجد أجوبة واضحة، لكن غيابها يسمح بالقراءة في خطوة تخلي قطّار عن دياب، أبرزها انه لا يريد الغرق معه في مستنقع ​الأزمة​ اللبنانية، فإختار البقاء في المنزل. لم يعد اللبنانيون يعرفون عنه شيئاً. أين هو؟ أين أراؤه السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي كان يضجّ بها الإعلام وتزدحم بها لقاءاته مع دياب؟ منذ أيام، حصلت كارثة بيئية على ​الشاطئ اللبناني​ جرّاء تسرب نفطي من جانب ​إسرائيل​، لم تدفع الوزير المعنّي بالمواجهة للظهور. ماذا يحرّك قطّار، إذا كانت جريمة بحجم تلك الكارثة لم تخرجه من إعتكافه؟ كان يقتضي به أن يحرّك ساكناً بدل غيابه المجهّل عن الرأي العام.

المصيبة في حكومة تصريف الأعمال الاّ حلول وسطية في إطلالات وحضور وزرائها، فهم إمّا يغيبون كلّياً عن المشهد، كما هو حاصل مع قطّار مثلاً، أو هم حاضرون إلى حد الملل الشعبي منهم نتيجة إندفاعتهم الإعلامية التي تهدف إلى تثبيت وجودهم السياسي عبر إطلاق المواقف والظهور الإعلامي من دون أن يحصد المواطنون منهم أيّ فائدة. هذه المسألة لا تعني عدم وجود وزراء نشطاء في مهامهم وفاعلين في متابعة ملفاتهم بصمت، من دون ضجة ولا همروجة إعلامية، لكنهم قلّة لا يصل عددهم إلى ثلاثة وزراء.

بجميع الأحوال، فشلت الحكومة في عز اصالتها، وهي لا تقوم حالياً بمهام تصريف الأعمال، إلى حد تجوز فيه مساءلة رئيسها حسان دياب والوزراء المعتكفين. لا يجب أن تُعفى حكومة تصريف الأعمال من المسؤولية، وأن يلجأ ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ الى ​المجلس الاعلى للدفاع​ لملء فراغ حكومة تصريف الاعمال، لأن ​الدستور​ كلّف تلك الحكومة بتسيير أعمال البلد، بدليل وجود محطّات سابقة قبل وبعد ​الطائف​، كان فيها رؤساء الحكومات المستقيلون ووزراء تصريف الأعمال على مستوى المسؤولية في البلد: حكومة ​عمر كرامي​ سنة ١٩٦٩، ثم حكومة ​سليم الحص​ ١٩٧٦ وصولًا إلى حكومة ​نجيب ميقاتي​ عام ٢٠١٣. جميع تلك الحكومات اقرّت شؤوناً لبنانية لم تكن على مستوى ما يمر به البلد حالياً من صعوبات، جرّاء الأزمات المعيشية والمالية والسياسية. فلماذا يهرب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب ومعه وزراؤه من تحمّل المسؤولية؟.

صحيح أن الحكومة أثبتت عجزاً غير مسبوق في إدارة شؤون البلد، لكن الواقع اللبناني المأساوي يستلزم من الحكومة الحاليّة تحمّل مسؤوليات أخلاقية وإنسانية ووطنية، تحت طائلة محاسبتهم من قبل الشعب اولاً.