يومًا بعد يوم، يقترب رئيس ​الحكومة​ المكلَّف ​سعد الحريري​ من احتلال "الصدارة" في ترتيب رؤساء الحكومة الذين كُلِّفوا واحتاجوا لوقتٍ طويل حتى ينجزوا المهمّة الملقاة على عاتقهم، بعدما احتلّ المركز الثاني عن "جدارة" قبل أيام، وبشهادة "امتياز".

وبمُعزَلٍ عمّا إذا كان الحريري من "يُلام" في التأخير الحاصل، أم أنّ شركاءه المفترضين هم من "يكبّلونه" ويمنعونه من تشكيل الحكومة التي يرى أنها قادرة على "إنقاذ" البلاد، فإنّ كلّ الظروف "المأسويّة" التي تمرّ بها البلاد تؤكد أنّ "المراوحة" لم تعد خيارًا مقبولاً.

فصحيح أنّ أشهرًا لا تزال تفصل الحريري عن الرقم "القياسيّ" الذي سجّله رئيس الحكومة الأسبق ​تمام سلام​، إلا أنّ الواقع اليوم لا يشبه شيئًا من واقع الأيام الخوالي، في ظلّ "الكوارث" التي تحدق باللبنانيّين، وفي ضوء التدهور الاقتصادي والانهيار المالي، الذي بات بلا أفق.

لكنّ المفارقة "القاسية"، وغير المبرَّرة، أنّ كلّ هذه "المصائب" تحلّ على اللبنانيّين، من دون أن تترك أيّ انعكاسٍ على الملفّ الحكوميّ "الجامِد" منذ أسابيع، فلا "فرَج" يبدو موعودًا، ولا "خرق" حتى، ولو من باب "رفع العتب"، على شاكلة لقاء "كسر جليد" مثلاً، لا أكثر ولا أقلّ...

حركة لافتة ولكن!

في الأيام القليلة الماضية، وعلى وقع "الاهتزاز" الاقتصاديّ والماليّ في البلاد، مع الارتفاع "الجنونيّ" لسعر الدولار، وتدهور العملة الوطنية التي فقدت، وفق آخر الأرقام، أكثر من 90 في المئة من قيمتها، سُجّل حراكٌ سياسيّ لافت، في الداخل والخارج على حدّ سواء.

فعلى مستوى الداخل، برزت جملة لقاءات يمكن أن يُبنى عليها الكثير، لعلّ أبرزها لقاء رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري مع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، وقبله لقاء الأخير مع رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" ​طلال أرسلان​، وبينهما لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الوزير غازي العريضي.

وأضيف إلى كلّ ما سبق لقاءٌ جمع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا، وآخر جمع السفير السعودي وليد البخاري بالوزير السابق سليم جريصاتي، موفدًا من رئيس الجمهورية ​ميشال عون​. وتناغمت كلّ هذه اللقاءات مع ما أشيع عن "مبادرة" جديدة أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما ارتأى "إدارة محرّكاته"، لأنّ الوضع لم يعد يحتمل المزيد من المماطلة.

أما على المستوى الخارجي، فلم تكن الصورة شديدة البُعد، إذ سُجّلت حركة لافتة على الخطّ الروسي، مع الزيارة المثيرة للانتباه التي قام بها وفد من "حزب الله" بقيادة رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد إلى العاصمة الروسية، بعد أيام على لقاء جمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف برئيس الحكومة المكلَّف في الإمارات، وأصدرت على إثره الخارجية الروسية موقفًا صريحًا من المستجدّات الحكوميّة الداخليّة.

لا "خرق" حكوميًا

في الشكل إذًا، يبدو أنّ الملف الحكوميّ الداخليّ "تحرّك" على أكثر من خط وأكثر من مستوى. ولكن، في المضمون، يبدو أنّ عنوان "حركة بلا بركة" هو أكثر ما ينطبق على الواقع الحاليّ، كما يقول العارفون والمتابعون، وإن كان مثل هذا العنوان أكثر من مُستغرَب في ضوء الظروف "الحَرِجة" التي يمرّ بها لبنان.

وبحسب هؤلاء، فإنّ كلّ الحِراك السياسيّ المسجَّل بقي "بعيدًا" عن تسجيل أيّ "خرق جدّي" على مستوى الحكومة، بل إنّ بعض هذه اللقاءات، رغم كلّ ما أحيطت به من "تضخيم"، لم تقارب الملفّ الحكوميّ من أصله، أو بالحدّ الأدنى، لم يتصدّر مناقشاتها، فاللقاء بين جنبلاط وأرسلان مثلاً ركّز على "ترتيب البيت الدرزيّ"، فيما تمحور لقاء باسيل وصفا حول العلاقة بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" وسُبُل تطويرها.

أما ما أثير عن "مبادرة" بري، فتشير المعطيات المتوافرة إلى أنّها، إن لم "تسقط" كما أوحت بعض المصادر، التي ذهبت لحدّ "نعيها" بفعل "رفضها" من جانب المعنيَّيْن بها، أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلَّف، فهي لم "تنضج" بالحدّ الأدنى اللازم، حتى ترقى لتصبح "ورقة" حقيقيّة يمكن وضعها، أو ربما "فرضها" على الطاولة، علمًا أنّ مستشار بري الوزير علي حسن خليل كان واضحًا بميله نحو "السلبيّة" في كلامه غير "الملتبس"، على هامش جلسة مجلس النواب، يوم الجمعة الماضي.

ولا يبدو الحديث عن "مبادرة روسيّة" أكثر واقعيّة، بحسب ما يؤكّد المتابعون، وإن كانوا يشيرون إلى وجود رغبة لدى عدد من الفرقاء بتبلور ما يمكن وصفه، بالحدّ الأدنى، بدور روسيّ على خطّ الأزمة، خصوصًا في ظلّ "الانكفاء" الفرنسيّ، ومعه الأميركيّ. إلا أنّ هؤلاء يستبعدون أن تنجح روسيا حيث "عجزت" باريس وواشنطن، علمًا أنّه من غير الوارد أن تتحرّك موسكو أصلاً خارج "الضوابط" التي رسمها المجتمع الدولي، وعنوانها "الإصلاحات أولاً".

"مستفِزّ" وأكثر!

قد يكون "مُستفزًّا" للكثير من اللبنانيين أن تكون "المراوحة" على الخطّ الحكوميّ هي سيّدة الموقف، فيما الواقع ينحدر من سيء إلى أسوأ، والدولار يسجّل مستويات غير مسبوقة وبوتيرة قياسيّة، والمتاجر تقفل أبوابها أمامهم، والأزمات تحاصرهم من كلّ حدب وصوب.

قد يكون "مُستفزًّا" أن يسمعوا سياسيّيهم وقادتهم يتبادلون "الاتهامات" إياها، ففريق "العهد" يتمسّك بنظرية "المؤامرة"، التي قد تكون مشروعة في مكانٍ ما، لكنّها لم تعد ترتقي لمرحلةٍ يبدو فيها اللبنانيّ، بكلّ فئاته وشرائحه، "المهزوم" الأكبر والمتضرّر الأول.

وفي المقابل، يتمسّك رئيس الحكومة المكلّف بسياسة "التحدّي" حتى قطع الأنفس، في سياق "مواجهته" مع "العهد"، ولو تطلّب منه ذلك "احتجاز" التكليف "في جيبه"، كما يتّهمه "العونيّون"، حتى نهاية "العهد"، لعلّه بذلك يحقّق "نصرًا" يمنّي النفس به عليه.

كلّ ذلك يبدو "مستفِزًّا"، لأنّ ما "يتقاتل" عليه "العهد" وخصومه، لم يعد دولة بالمعنى الحرفيّ للكلمة، بل قد يكون في أحسن الأحوال "بقايا وطن" يبدو أنّه ينازع ويقاوم من أجل البقاء، فيما مقوّمات "الصمود" تكاد تفلت برمّتها من يديه!.