عندما إدّعت النائب العام الإستئنافي في جبل ​لبنان​ القاضية ​غادة عون​ في ملف "​الفيول​ المغشوش"، مُحاطة بحملة تسويقية لقراراتها، أوحت بأنها أجهضت فساداً ينخر خزينة ​الدولة اللبنانية​، وأنها حقّقت ضربة إصلاحية ستساهم في تخفيف أعباء تكلفة ​التيار الكهربائي​ في لبنان. لقيت "الخبطة" حينها صدى إعلامياً، لكنها جرّت علامات إستفهام جوهرية، بعدما تحدثت شركة "سوناتراك" الجزائرية عن تشويه سمعة.

يومها أظهرت المُعطيات أنّ "الفيول المغشوش" يعني أنّه غير مطابق للمواصفات، وأنّ الهدف من إثارته اعلامياً وقضائياً هو إبعاد "سوناتراك" لصالح شركات أخرى وخدمة مصالح وصفقات تفوح روائحها تدريجياً. هو ما حصل بنسف التعامل مع الشركة الجزائرية التي كانت تكلّف لبنان نصف ما يدفعه الآن لشركات أخرى: هل هناك سمسرات؟ مما ثبّت امام اللبنانيين ان هناك صفقات تُترجم مفاعيلها في ​الأزمة​ القائمة حالياً.

فماذا جرى في ​الساعات​ الماضية؟

بعد وصول ​باخرة​ الفيول إلى منشآت ​النفط​ في ​الزهراني​ تم فحص الحمولة، فصدر التقرير ناقصاً لـ٦ نتائج، لذلك لم تتمكن ​مؤسسة كهرباء لبنان​ من تفريغ الباخرة بإنتظار اذن التفريغ الذي يُعطى عادة بعد اكتمال نتائج الفحوصات. عندها قررت المديرية العامة للنفط إعادة الفحوصات في دبي، وصدرت النتائج بأنّ حمولة الباخرة غير مطابقة للمواصفات(يعني "فيول مغشوش")، فقررت إدارة الكهرباء عدم التفريغ، ومن بعدها تم إعادة الفحص بتغيير الطريقة في نفس المختبر في دبي فأتت النتائج مطابقة.

لكن مديرية النفط أرسلت تقريراً إلى إدارة الكهرباء تصرّح فيه أنّ النتائج مطابقة للمواصفات، مع الإصرار على الأخذ برأي شركة "سيمنس" التي لا علاقة لها بهذا الموضوع، وتنحصر مسؤوليتها فقط في وضع شروط النفط التي على أساسها يجب الإستيراد.

اللافت هنا ان ذات المختبر في دبي كان يُجري الاختبارات في عهد "سوناتراك". هذا يثبّت ان ظلما وتشويه سمعة حصل بحق "سوناتراك". فهل يتطلّب الأمر إعادة النظر بإدعاءات وقرارات القاضية عون التي توسّعت الشكوك حول أدائها القضائي في ملفات عدّة، مما دعا جهات لبنانية الى إتخاذ قرار الذهاب لمقاضاتها في محاكم أوروبية وأميركية؟.

اما بالنسبة الى مستجدات ملف الفيول، فكل ما يجري يرسم علامة إستفهام خطيرة: هل هناك محاولات سياسية لضرب قطاع انتاج ​الطاقة​، لخصخصة الإنتاج في مؤسسة كهرباء لبنان بعد ​القضاء​ على معملي الزهراني و​دير عمار​؟ كل ما يجري يدلّ على وجود قطبة مخفية ونوايا سياسية تدفع نحو الإطاحة بالمعملين عبر محاولة تزويدهما بالفيول غير المطابق للمواصفات، وهو ما لم تقبل به ​مؤسسة الكهرباء​، خصوصاً أنّ عقد الصيانة للمعملين انتهى، وبالتالي فإنّ أي عطل قد يصيب أحدهما سيصبح خارج العمل لفترة طويلة نظراً لعدم وجود فرق فنية في المؤسسة وعدم وجود ميزانية لشراء قطع جديدة لاعادة تشغيل المعامل.

انه مشهد واحد في بلد مأزوم يتطلّب تصرفات مسؤولة على كل المستويات، تفرض الإعتراف اولاً بأن الممارسة السياسية بواجهات إدارية وقضائية تحمل مدلولات تهريب شركات لصالح صفقات، في وقت يغرق فيه البلد بالديون والعتمة و​النفايات​ والصفقات.