في ظل المسعى الذي تنتهجه معظم الحكومات العربيّة للسيطرة على الفضاء الرقمي، تختلف السياقات التي تتبعها كل منها للتعاطي مع النشاط على المنصات الرقمية، فبعضها تلجأ إلى الحدّ من مصادر المعلومات والتشكيك والتضليل بكل ما يصدر من خلال الاخبار المضلّلة التي تبثها، بالإضافة إلى تشويه سمعة النشطاء والحركات السّياسية عبر بثّ معلومات رسميّة مغايرة للمعلومات التي ينشرونها على وسائل التواصل الإجتماعي، وفق ما أكّدته مديرة السياسات بمنطقة ​الشرق الأوسط​ و​شمال إفريقيا​ في منظمة "أكسس ناو" مروة فطافطة خلال مشاركتها بمنتدى ​فلسطين​ للنشاط الرقمي.

كذلك، تسعى بعض الحكومات إلى حجب ​الإنترنت​ خلال مظاهر ​الاحتجاجات​ و​الانتخابات​ مثلاً، وحدث ذلك مسبقاً في ​العراق​ و​السودان​ و​الهند​ وعدد من الدول الأخرى، وفق فطافطة، في وقت تلجأ بعض الحكومات أحياناً إلى أسلوب مختلف قليلاً، حيث تبطئ سرعة الإنترنت، قصداً، لحجب تغطية القمع مثلاً أو الانتهاكات التي تحصل على الأرض عبر وسائل التواصل. وهذا الأسلوب انتهجته السلطات ​الأردن​يّة، بحسب فطافطة، خلال الاجتجاجات التي تلت حادثة انقطاع الأوكسيجين عن مرضى ​كورونا​ في مستشفى السلط والتي أسفرت عن موت 6 أشخاص، حيث ابطأت السلطات سرعة البثّ المباشر على "فايسبوك" و"​إنستغرام​"، وكذلك تطبيق "كلوب هاوس". بينما قد تلجأ بعض الدول إلى حجب التطبيقات نهائياً وتقييد المساحة المتاحة للنشاط الرقمي، كما في ​دول الخليج​ مثلاً.

انطلاقاً من ذلك، سارعت بعض الدول مؤخراً إلى تصدّر لائحة الدول الحاجبة لتطبيق كلوب هاوس"، تطبيق الدردشة الصوتية الجماعية الذي ذاع صيته أوائل العام 2021، بعد أن أعلن مؤسس شركة "تسلا" للسيارات إيلون ماسك انه سيكون متواجداً على البرنامج في حديث مع مغني الراب الأميركي كانيي ويست.

ظهر التطبيق في شهر نيسان من العام 2020، وأطلقه كل من باول دافيسون وروهان سيث الموظّفان السابقان في شركة "غوغل"، وذلك بعد أن حصلا على تمويل أولي قدره 12 مليون دولار من صندوق التمويل الاستثماري "أندرسون هورو-ويتز"، وحصرا استخدامه بين حاملي أجهزة "آي فون" فقط، واشترطا دعوة من أحد مستخدمي التطبيق، ليتمكن المستخدم المستجدّ من دخول "كلوب هاوس" والاستمتاع بالأحاديث والنقاشات التي تدور في غرفه المتنوعة.

ورغم أنّ المؤسس دافيسون أكد أن الشركة لا زالت تعمل على تطوير البرنامج ليصبح متوفراً على أجهزة "أندرويد"، إلا أننا "بتنا نشاهد العديد من المبادرات من مطوّرين مختلفين بعضهم من ​إسرائيل​ أو من ​روسيا​ أو من دول أوروبيّة أو غيرها من المناطق حول العالم، يعمدون إلى نشر تطبيقات وبرامج تمكّن المستخدم من فتح حساب "كلوب هاوس" على أنظمة "أندرويد" أو "ويندوز" أو "ماك" أو غيرها"، وفق ما أكّده الصحافي والباحث في التحقق من المعلومات محمود غزيّل.

من هنا كان سؤال غزيّل "هل تثقون أنتم بالمطور الإسرائيلي الذي قدّم لكم نسخة "كلوب هاوس" على أندرويد"؟، في وقت تمارس إسرائيل العديد من الإنتهاكات في العالم الرقمي وفي الحياة الواقعية. فلا يخفى على أحد التضييق الذي تمارسه ​السلطات الإسرائيلية​ على المحتوى الفلسطيني على "​فيسبوك​" مثلا، والذي يتم التعامل معه على أنه محتوى واقعي وليس افتراضي، لتسهيل اعتقال ​الفلسطينيين​ وتوجيه تهم مختلفة لهم.

أضف إلى ذلك الشهرة الواسعة التي تتمتع بها شركة "NSO" الإسرائيلية في مجال التجسس الإلكتروني، كما 27 شركة أخرى على الأقل ناشطة في هذا مجال بحسب منظمة "privacy international" البريطانية، والتي اتهمت في العام 2019 بمساعدة الحكومات في منطقة الشرق الأوسط و​المكسيك​ من خلال التجسس على ناشطين وصحفيين عبر تطبيق "​واتساب​"، وهذا ما أكدهمدير "واتساب" ويل كانكارتحينها.

وفي هذا الإطار، دعا غزيّل مستخدمي أندرويد إلى "التريث قليلاً والانتظار، ولعل النبأ السار الذي يمكن الإشارة إليه هو ما سمعته داخل غرفة "تاون هول" في التطبيق، حيث أكد المطورون فيها أن نسخة أندرويد الرسمية باتت قاب قوسين أو أدنى، حيث أفادوا يوم الأحد 28 آذار بأن التطبيق سيتم إطلاقه في الأسابيع الأربعة أو الستة المقبلة، وبالتالي من الممكن أن نرى نسخة رسمية في منتصف أيار ربما".

بجانب الدعوة إلى تجنب التطبيقات أو المنصات المزيفة الأخرى، شدد غزيّل على أنه "بالإضافة غياب الثقة بالمطورين غير الرسميين، فإن تطبيق "كلوب هاوس" يعمد بين الفترة والأخرى إلى إطلاق "حملة تطهير" للأرقام المستخدمة من أجهزة مختلفة عن "آي فون"، ما قد يعرض المستخدم إلى حجب رقم هاتفه تماماً عن التطبيق". من هنا يؤكد غزيل ضرورة الإنتظار "لأن الحلال أجمل".

وفي وقت لا يزال التطبيق في بداياته، تتردد العديد من الأسئلة من المستخدمين والمهتمين بالحقوق الرقمية، حول سياسة الخصوصية التي يعمل من خلالها، لاسيما من ناحية حفظ التسجيلات الصوتية والبصمات الإكترونية لكل مستخدم، بالإضافة إلى قابليته لاستخراج جميع أرقام الهاتف وحفظها لديه على خوادمه الخاصة. وفي هذا الإطار، اعتبر غزيل أن "هناك مسألة أخرى تتعلق بكيفية إدارة محتوى المشاركة على التطبيق، إذ بإمكان "كلوب هاوس" أن يتحول إلى منصة تجتمع فيها مجموعات قد تكون خارجة عن القانون، وليس هناك حتى الآن من آلية واضحة شفافة تفيد بكيفية متابعة هذه المواضيع أو المحادثات التي تتم، وخاصة تلك التي تكون بلغة مغايرة للإنكليزية".

وأشار إلى أنه "كون التطبيق لا يزال في المراحل الأولى من التطوير، فإنه يعكس إمكانية أن يحمل بعض التعديلات هنا وهناك، لاسيما بما يتعلق بسياسة الخصوصية". وفي هذا الجانب، أعلن القيمون على التطبيق أنه بات بإمكان اليوم دعوة الأفراد للانضمام إلى "كلوب هاوس" من دون الحاجة للولوج إلى كامل الأرقام المسجلة على الهواتف، وهذا ما اعتبره غزيل أنه "مجرد مطلب واحد من بين المطالبات العديدة التي ينادي بها أنصار الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، ومنها أنه إذا قام المستخدم بحجب حساب ما فإنه لن يستطيع مشاهدته، إلا أن الشخص المحظور يمكنه تتبع جميع خطوات المستخدم أو زيارته وأيضاً معرفة إن كان متاحاً على التطبيق حالياً أم لا".

وفي حين يقدم تطبيق "كلوب هاوس" هذه المساحة الواسعة لمناقشة مختلف القضايا، والتي قد تتضمن قضايا سياسية، واخرى يمكن أن يكون لها علاقة بالأمن وبتنظيم حملات تطالب بالتغيير في العديد من الدول الأمر الذي يمكن ان يشكل مصدر قلق للحكومات، لجأت بعض ​الدول العربية​ والعالمية إلى حظر هذا التطبيق، "الأمر الذي قد يفتح الباب أمام مشاكل أوسع وأخطر مما يمكن أن تكون عليه الحال لو بقي التطبيق يعمل بشكل منتظم"، حسب غزيّل.

وباعتبار أن الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، سبّاقة في موضوع حجب التطبيقات، سارعت عمان إلى منع استخدام التطبيق على أراضيها، واستحوذت على المركز الأول في القائمة، متذرعةً بـ"عدم حصوله على الترخيص المناسب" وفق هيئة تنظيم الاتصالات، في وقت أثارت هذه الخطوة حفيظة النشطاء والمستخدمين واستغرابهم، والذين أملوا ألا يكون تعذر الوصول للتطبيق ناتجاً عن حظره، حتى بات وسم "عمان تحظر كلوب هاوس"، من الوسوم الأكثر تداولاً على منصات التواصل الإجتماعي في عمان، ولا زال مفعوله سارياً حتى اليوم.

واتبعت الإدارة الأردنيّة نهج نظيرتها العُمانية، حيث لجأت إلى حظر التطبيق جزئياً، ليوضح ​وزير الاقتصاد​ الرقمي والريادة في الأردن أحمد الهناندة، عقب ذلك، أن "شبكات الاتصال والانترنت تعمل في الأردن بشكل طبيعي، ولا يوجد وقف او تقييد لاي خدمة"، مؤكداً أن "تعطل بعض خدمات "كلوب هاوس" لأقل من ساعتين، لا علاقة لشبكة الإنترنت في الأردن به".

وفي ظل ورود بعض الادعاءات من المواطنين التي تقول بعدم قدرتهم على الوصول للتطبيق إلا بالولوج لخدمات الـVPN، أكد رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم ​قطاع الاتصالات​ غازي الجبور، أنه "لا علاقة للهيئة بأي شيء يخص حجب تطبيق "كلوب هاوس"، ولم يطلب منا حجبه أو تعطيله"، مشدداً على أن "الهيئة لا تتعامل مع شيء لا تقوم بتنظيمه بشكل عام، و​وسائل التواصل الاجتماعي​ ليست من عمل الهيئة وليست خدمات مرخصة".

بموازاة ذلك، واجه بعض مستخدمي تطبيق التراسل الصوتي في ​الإمارات​، صعوبة بالوصول لخدمات "كلوب هاوس" منتصف شهر آذار الماضي، ولم يتضح على الفور ما إذا كان هذا التعذر ناجم عن مشكلة تقنية أو أنه مرتبط بإجراء اتخذته السلطات، في وقت اكد مستخدمون لـ"إرم نيوز"، أنهم يواجهون "انقطاعاً بالاتصال بتطبيق "كلوب هاوس" بعد نحو 20 إلى 30 ثانية من تسجيل دخولهم إليه".

من هنا، يعتبر غزيل أنه "يجب دائماً الأخذ بعين الاعتبار أنه في حال أراد البعض إثارة المشاكل أو مناقشة ما قد يعتبر من المحرمات، فهناك دائماً طرق مختلفة يمكن اللجوء إليها. وعليه، يجدر بالدول التركيز على تلك المجموعات المشبوهة وليس على الوسيلة نفسها"، لافتاً إلى أن "عمليات الحجب في عدد من الدول العربية والأجنبية، تختلف أسبابها بين دولة وأخرى، ولكن في كل الحالات، لن يكون الحجب طريقة لطمس ما قد ترى الحكومات أنه خطر يجب ازالته".